top of page

التجلي القدسي للأشجار: " زيتونة ازواغز بفريانة " امتداد لمعتقدات الروح الأخضر

د.محمد الناصر الطيب صديقي

أستاذ التاريخ الوسيط بالمعهد العالي للعلوم الانسانية بجندوبة / تونس


المقدمة : كانت الشجرة ومازالت ترمز إلى الحياة فهي كالطفل تنمو ثم تتكامل بنيتها و قامتها النهائية. لذلك اعتبرها القدامى رمزا للخلود و غالبا ما صورها المخيال البشري القديم في بلاد ما بين النهرين و في مصر القديمة و إيران بين حيوانين متقابلين ، أسدين ، ثورين تيسين لحمايتها و لجنى ثمار تلك الشجرة يجب قتل أو التخلص من الحارسين الذائدين عن الشجرة و ثمارها باعتبارها شجرة الكون و رمز الخلود فالنباتات في إيقاعاتها الرمزية تكتسب تجددا وقوة خالدة و سلامة جسمانية و خلودا أبديا لذلك فان ثمرة شجرة الكون أو الحياة لا يمكن الحصول عليها إلا بعد صراع مرير بين الذادة و المتلهفين على لتلك الثمرة السحرية المانحة للخلود و الحكمة و القدرة الكاملة لتحويل الناسوتي إلى لاهوتي.

إذن فصورة الشجرة باعتبارها رمزا كونيا تعبر عن الحياة و الشباب و الخلود و الحكمة أسوة ببقية الأشجار في حضارات الشرق القديم و غيرها من بقاع العالم. لذلك فان المخيال البشري اعتبرها ركنا أساسيا في تتويج و ارتقاء الآلهة و أنصافها و الأبطال و أصحاب الكرامات على مر التاريخ الإنساني. وهذا ما يتجلى لنا في المخيال الجمعي عند سكان مناطق عدة في اعتقاداتهم عن بعض الأشجار و خاصة شجر الزيتون و نسجهم قصصا حاكها حسهم الروحي مدعما بما تصورته ميتافزيقية الأجداد عن ذلك التجلي القدسي للأشجار. وهذا ما يدفعنا إلى تدعيم قناعات راسخة في انفتاح الفرد عند النوائب و الشدائد على معتقدات الأجداد بحضورهم الدائم في ما هو مسكوت عنه و كل كائن تاريخي يحمل في ذاته قسما كبيرا من إنسانية ما قبل التاريخ.


xحفر في قدسية الأشجار - I

1- عند القدامى :

عبد الإنسان منذ بدأت تتبلور أفكاره عن الحياة و الكون القوى الروحية للطبيعة و منها الشجرة بما عنته من حياة و تجدد و قوة ثابتة فالشجرة هي رمز لمجمل الطبيعة و حتى الكون لذلك وجه عبادته لها كشكل نحو الروح الكامنة فيها و منها انبثقت "عشتار" في شكلها الآدمي بما فيه من جمال و أنوثة فكانت مجسمة في جذع شجرة و أصبحت تعبد في بعديها التجسيمي و الروحاني الإنساني حيث تحولت بعد ذلك من هذا المجسم الشجري الخشبي إلى أن تكون في التماثيل الرخامية في واجهة المعابد و مع ذلك لم تفارقها الشجرة.

إذن فالشجرة في الحضارات المتقدمة هي رمز العالم لكنها بالنسبة إلى الحس الديني عند القدامى هي العالم، حيث تعيد تكراره و تختصره و في الوقت نفسه ترمز إليه.

وهدفنا من هذا البحث في عمليات توغلنا عبر الزمن الماضي هو معرفة البدايات الأولى لتشكل و تطور الأفكار الدينية المرتبطة بالأشجار و إخضاعها للمحك الانثروبولوجي و ربطها بما هو ممارس في أيامنا هذه.

فالشجرة تشكل محورا أساسيا في عقائد الإنسان القديمة و في الغالب نجدها مصورة بين حيوانين يأكلان منها أو يتطلعان إليها بارتياح و طمأنينة ثم في مرحلة لاحقة أصبحنا نراها بين مجسمين لكائنين يجمعان بين صورتي الإنسان و الحيوان. لقد خلد فن الشرق الأدنى القديم ( العراق، سورية الكبرى، مصر، إيران، الأناضول) الشجرة من خلال معالجته لموضوع شجرة الحياة مجسما للربة عشتار الخضراء في أشكال ترمز إلى استمرارية تلك الروح الخضرة المتجددة وديمومتها التي يمثلها الإله البابلي تموز و الربة عشتار التي جسدتها الأعمال الفنية القديمة بشكل زخرفي تبسيطي جميل حيث تظهر عشتار و عن يمينها و يسارها مخلوقات خرافية تحرسها و تتعهدها بالرعاية.

إذن فصورة الشجرة لم تنتخب لترميز "الكوزموس" فحسب، و إنما أيضا لتعبر عن الحياة و عن الشباب و الخلود و الحكمة كما مر بنا، و إلى جانب الشجرات الكونية التي عرفتها منطقة الشرق الأدنى القديم و بلاد الإغريق فإننا نجدها في عدة أقاليم صينية :

فحسب الميثيولوجيا المحلية عند الصينيين فان عبادة إله الشجرة عادة قديمة عندهم و تقول المخطوطات القديمة إن التنين هو تجسيد لإله الشجرة. الشكل الأصلي للتنين شجرة ضخمة دائمة الخضرة مثل الصنوبر و لا غروان عبادة الصينين للتنين هي انعكاس لعبادتهم اله الشجرة. فالكثير من المعابد و البنايات القديمة في الصين بها الكثير من الأشجار القديمة، ذلك أن الديانات الصينية تعتقد أن للنبات حياة وروحا مثل الإنسان تماما. وفي الطاوية (و هي من ديانات الصين ) دعوة إلى زراعة النبات، و لذلك تصبح الأشجار التي غرسها المشاهير بأيديهم في المعابد الطاوية مقدسات للطاويين. و في معظم المعابد توجد عادة مساحة مخصصة لغرس الزرع فيأكل من ثمرها الرهبان و تكتب على أوراقها الأسفار المقدسة.

وشجرة الحياة هذه التي مثلتها في الميثيولوجيا اليونانية الرومانية الشجرة الضخمة القائمة وسط غابة " ديانا – ارتميس "، هي التي تظهر مجددا في مركز الجنة التوراتية التي غرسها " يهوه" " وغرس الرب الإله جنة في عدن شرقا، ووضع هناك آدم الذي جبله و انبت الإله من الأرض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل، و شجرة الحياة في وسط الجنة و شجرة معرفة الخير و الشر". وشجرة الحياة التي ولد منها "ابن الأم السورية الكبرى عشتارت" هي التي ترعى أيضا ميلاد " الأم السورية الكبرى مريم " و ذكر القرآن قصة ولادة السيدة مريم بالمسيح " فجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا و كنت نسيا منسيا فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا " وهي نفسها التي أصبحت عند النصارى شجرة الميلاد حيث تزدان بها بيوتهم في مواسم ميلاد السيد المسيح و تزين بالشموع و الأضواء التي ترمز إلى الأجرام السماوية المنيرة للكون. ذلك أن شجرة الحياة، هي في الوقت نفسه شجرة و سيدة السماوات المعتمدة، التي تتعلق مصابيح الكون بصدرها تعلق الشموع بشجرة الميلاد.

و يمكن القول أن كل الأشجار و النباتات مقدسة حيث كان جذع الشجرة لدى الكنعانيين ينصب في محراب "الأم الكبرى عشتاروت" و تقدم له فروض العبادة باعتباره تجسيد الآلهة الطبيعة. وقد ورد ذكر هذا الجذع في العهد القديم ( التوراة). و يعود كل ذلك إلى أنها تجسد النمط البدائي l’archetype و الصورة المثالية للنبات و كذلك فان قيمتها الدينية هي التي جعلت منها نباتا معنيا به و مجنيا.

و الاعتقاد بتجسيد الشجرة لروح الخصب قد استمر عند حضارات أخرى و بإشكال مختلفة.


2- عند العرب و الامازيغ :

في تاريخ المنطقة المغربية و العربية عبدت الأم الكبرى مجسدة في شجرة الحياة و ما ترمز إليه من خصوبة و ديمومة فقد كان سلوك أجدادنا من الامازيغ في بلاد المغرب تجاه الطبيعة و عناصرها سلوكا ايكولوجيا حيث يكن الإنسان الامازيغي إجلالا و تقديرا خاصا للنبات و الأشجار و يزخر الموروث الديني الامازيغي قبل الإسلام بالعديد من الطقوس و المعتقدات المرتبطة بالأشجار و الظاهران هذه المعتقدات و الطقوس التي ما زالت تمارس في بعض مناطق القبائل الامازيغية و بشكل أدق في سوس ماست حيث موطن قبيلة ماست البربرية وهم من بربر الجنوب في بلاد المغرب مرتبطة بالممارسات الموروثة.

فالذاكرة الجماعية لتلك المجتمعات البربرية ما زالت تولي أهمية لذلك الموروث المتأصل في سلوكيات الأهالي فبالرغم من الأسلمة و انتشار التدين السني " الارثوذوكسي " إلا أن الإنسان الامازبغي عمل على تكييف معتقدات الأجداد مع الشعائر الإسلامية . في عملية توفيق بينهما. فترسخ الإرث الثقافي القديم يبقى قويا في الذاكرة الجماعية و في الممارسات اليومية من تسلط القائمين على الشعائر الجديدة و تصديهم لما هو مخالف و بدعوى حسب وجهة نظرهم و لكن حسب اطلاعنا على نوعية التدين بين صفوف أجدادنا من الامازيغ نجده اقرب إلى المسلك الصوفي المتصالح مع الخصوصيات الاجتماعية الأصيلة للأهالي و القابل للأخر بشكل تسامحي و هذا ما يجعل تكييف المؤمن الامازيغي لمعتقدات أجداده مع المرجعية المالكية الإسلامية ناجحا و متواصلا إلى الآن.

إذن آمن الإنسان الامازيغي في بلاد المغرب قبل الفتح الإسلامي بـ " شجرة الحياة " و لم تكن هذا الإيمان و ما تبعه من طقوس يعود إلى فترة قديمة بل يبدو أنه ينتمي إلى زمن ابعد بكثير من العصور القديمة فهو مرتبط بعقيدة الإنسان الأول في عناصر الطبيعة و عقيدته في الروح الكامنة في الأشجار.

وبما أن المجتمع الماستي لا ينفي من حيث الممارسة الطقوسية المعتقدات الشعبية الضاربة في القدم فإننا نجدها في شدة تعلقهم بـ " شجرة أركان " حيث عملوا على المحافظة على بقاء هذا النوع من الأشجار منذ أزمنة غابرة . ولم تقتصر هذه المحافظة على الجانب البيولوجي بل تعدته إلى الأهازيج و الأغاني الشعبية التي يمدحون فيها هذه الشجرة المقدسة. وتتجلى قدسية هذا النوع من الأشجار في اتخاذ الأهالي لها فضاءات مقدسة لممارسة طقوس الزواج و تقاليده. لما تعنيه الخضرة في المخيال الجماعي عند الامازيغ من مبعث للبهجة و الفرح لذلك عملوا على إيجاد شجرة أو مجال نباتي معين في البيوت كما أن الخضرة ترمز إلى الخصب و التناسل البشري لذلك أقيمت في حرمها حفلات الزواج. و العجيب الغريب أن أضرحة الصلحاء و المعتكفين كانت مجالا حيا و خصبا لتنامي معتقدات الناس في الأشجار القديمة و التبرك بها خاصة تلك الموجودة في المرتفعات حيث انقطع هؤلاء الصلحاء عن الحياة المدنية. فكان كل مجالهم حرما مقدسا و بالتالي نالت الأشجار المعمرة قدسيتها من قداسة هذا الولي الصالح.

أما في شبه جزيرة العرب في الفترة السابقة لظهور الإسلام فقد قدس العرب الأشجار و صبغوها بهالة من المعتقدات الأسطورية و قد خصوا أنواعا من هذه الأشجار دون غيرها.

بقدسية مميزة من بينها الطلح و السمر و العشر. وقد حفظت لنا كتب الأخبار قصصا عديدة عن الأشجار المقدسة عند العرب لا بد من الإشارة إلى أن معتقدات أجدادنا في شبه الجزيرة العربية ما هي إلا نموذج أخر عن عبادة روح الغاب و الأم الكبرى مجسدة بالشجرة التي عرفت عبادتها في حضارات الجوار في منطقة الهلال الخصيب.

بما توحي إليه من رمزية روحية باعتبارها عقيدة العرب في روح الغاب.

من ذلك نذكر " ذات أنواط " شجرة الحجاز المقدسة أو نخلة نجران في بلاد اليمن، إذن كانت للعرب أسوة بجيرانهم من الأمم و الحضارات السامية المجاورة اعتقادات لأشجار قدسوها و عظموها و خصصوا مواسم معينة للاحتفاء بها. بإقامة طقوس معينة لها.

و إن كانت معلوماتنا عن ذلك قليلة فلأن المؤرخ الإسلامي كتب عن الحقب السابقة للإسلام " الجاهلية " في أغلب الأحيان بشكل إقصائي و تغييبي للأخر و عقائده ناهيك عن تأخر وصولها إلينا. ولكن المهم بالنسبة إلينا أن العرب قدست الأشجار و عظمتها. ومن الأشجار التي شاعت عند أصحاب السير و الأخبار نذكر " نخلة نجران " و سدرة " ذات أنواط " - نخلة نجران : إن عرب الجنوب كانوا يعبدون نخلة طويلة في نجران ياتونها مرة في السنة في يوم معين اتخذوه عيدا . فيعلقون عليها كل ثوب حسن وجدوه وحلي النساء و عكفوا عليها طيلة يومهم.

- سدرة " ذات أنواط " : كانت لقريش شجرة عظيمة خضراء هكذا وصفتها المصادر يأتونها كل سنة فيعلقون عليها أسلحتهم و يذبحون عندها و في مواسم الحج تعلق أردية الحجيج عليها قبل دخولهم الحرم المكي لأنهم يطوفون بالبيت عراة. هذا قبل الإسلام طبعا، حتى أن بعض المسلمين في غزوة حنين في السنة الثامنة للهجرة و بعد فتح مكة طلب من النبي ان يجعل لهم ذات أنواط مثلما لقريش فأنكر الرسول قولهم و شبههم بيني إسرائيل يقول " هكذا فعل قوم موسى بموسى ".


3- في عالم الرؤى و الأحلام:

زخرت كتب الرؤى و الأحلام القديمة و الوسيطة و الحديثة بكم هائل من التحاليل و التفاسير للشجرة و رمزيتها و جميع حالتها و نكاد نلحظ إجماعا عند القدامى و المحدثين من المفسرين على أن الشجرة ترمز إلى المرأة و الخصب و السوءدد و الخير العميم.

فالشجرة في عالم الرؤى و الأحلام تدل على حالتها في اليقظة. فحسب شيخ المفسرين محمد بن سيرين البصري الأنصاري ( توفي 110 هـ / 728 م) فان البستان دال على المرأة لأنه يسقى بالماء ، فيحمل ويلد ، وان كان امرأة كانت شجرة قومها و أهلها وولدها و مالها و كذلك ثماره و جاء أيضا أن الشجرة في المنام تعني المرأة و ذلك إذا كان معها ما يشبه المرأة و ينبغي لتلك المرأة إن تكون أم ملك آو امرأة أو بنت ملك أو خادم ملك.

كما جاء عند ابن سيرين بأن الحديقة امرأة الرجل على ما قدر جمال الكرم و حسنه و قوته و ثمرته مالها و فرشها و حليها و شجره و غلظ ساقه سمنها و طوله طول حياتها و من رأى انه يسقى بستانه فيأتي أهله. ومن رأى بستانه يابسا فانه يجتنب إتيان زوجته و شجر الزيتون : رجل مبارك نافع لأهله و ثمره هم و حزن لما أصابه أو ملكه ا واكله و ربما دلت الشجرة أيضا على النساء لسقيها و حملها وولادتها لثمرة وربما دلت على الحوانيت و الموائد و العبيد و الخدم و الدواب و الأنعام و سائر الأماكن المشهورة بالطعام و الأموال كالمطامر و المخازن و ربما دلت على الأديان و المذاهب لان الله تعالى شبه الكلمة بالشجرة، كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السماء و هي النخلة و قد أولها النبي محمد بالرجل المسلم و أول الشجرة التي امسكها في المنام بالصلاة التي امسكها على أمته.

وجاء عند ابن سيرين انه من رأى نخلا كثيرا فانه يملك رجالا بقدر ذلك. وكذلك أن العقدة الشريفة على ما وصفت من حال النخل و فضله على الشجر في الخصب و المنافع و شجر السدر في المنام، رجل شريف حسيب كريم فاضل مخصب بخصب الشجرة و كرم ثمارها أما شجر الزيتون في المنام فانه يدل على رجل مبارك نافع لأهله، و ثمره هم و حرن لمن أصابه و ملكه.

و كما اختلفت المدارس الفقهية في الإسلام في النواحي الشعائرية فإنها قد تباينت كذلك في تأويل الشجرة في المنام و تفسيرها ففي المدرسة الأمامية الإثنى عشرية نجد انه من غرس شجرة في المنام فعلقت فانه يصاهر قوما و يصيب شرفا و الشجرة ذات الشوك رجل صعب المرام عسير و من رأى انه قطع شجرة ماتت امرأته.

ومن رأى انه يغرس في بستانه أشجارا فانه يولد له أولاد تكون أعمارهم في طولها و قصرها كعمل تلك الأشجار ومن رأى شجر الرمان رجل صاحب دين و دنيا و شوكها مانع من المعاصي و قطع شجرة الرمان قطع الرحم. أما إذا ذهبنا إلى آراء أعلام الإغريق في علم الرؤيا و الأحلام في موضوع الشجرة فنذكر ارطاميدورس الافسوسي ( عاش حوالي عام 100 ق م ) حيث قال في ذلك : الشجرة في الرؤيا تدل على المرأة و على المباراة و الرياسة و الحرية. وإذا رآها الإنسان خضراء حسنة الورق حاملة زيتونا قد بلغ وطاب فإنها دليل خير و منفعة و إذا رأى الإنسان زيتونا قد قطف فانه لسائر الناس دليل خير و منفعة، و إذا رأى الإنسان زيتونا قد قطف فانه لسائر الناس دليل خير ، و اما للعبيد فانه يدل على ضرب و ذلك لأن الزيتون إنما يؤخذ من الشجرة بنفض و ضرب.

وان رأى الإنسان انه يقطف زيتونا أو يعصره فان ذلك يدل على تعب و مشقة. و أما المدرسة الغربية الحديثة و على رأسها " فرويد " فقد فسرت الأحلام بواسطة الرموز و قد قال " فرويد " في موضوعنا ( الشجرة ) : بان المناظر الطبيعية المتجلية في الحلم و خاصة إذا احتوت جسورا أو قمما تعلوها الأشجار. هي أوصاف للأعضاء التناسلية. إذن ذهبت كتب الرؤيا و الأحلام إن تأويلات " الشجرة " ارتبطت بعادات الخصب و الأمومة و حتى المدرسة النفسية في الغرب فقد ذهبت إلى تفسيرات ربطتها بالتناسل البشري.

و بالتالي فإن اعتقادات الإنسان في الأشجار ما هي إلا تجسيد لروح الخصوبة بإشكالها المختلفة و هي تجسيد للقدرة اللاهية المخصبة مجسدة بالشجرة في روح الخضرة المتجددة حيث تداخلت في معتقدات آلهة الأمومة التي تتجلى في الربيع حيث يكون أوله 21 مارس ( آذار ) عيد الأمهات عند القدامى.


xزيتونة " ازواغز " شجرة فريانة المقدسة - II

ملامح عن الرمزية العقدية للأشجار المقدسة في الحاضر : ظلت بعض الشعائر المتصلة بتقديس الأشجار حتى زمننا الحاضر سواء ما نجده بين صفوف الأوساط الامازيغية في جبال القبائل أو في المدن السهلية و مجالها.

و تزداد قدسية الأشجار أو بعض النباتات البرية كلما أصبحت محل ممارسة طقوسية خاصة في المناطق النائية و في أماكن النسك و العبادة للصالحين المنقطعين عن عالمنا الدنيوي و الديني و أبحروا في الكون الأرحب فسلمت نباتات و شجيرات نادرة من عبث البشر و تخريبهم . كانت في حياض و حمى مجال الخلوة أو الزاوية في تلك المرتفعات فكان كل ما يحتويه ذلك المجال مقدسا و حرما آمنا ففي " عمرة " مدينة قفصة بالجنوب الغربي التونسي و في المجال العقاري لأراضي الهناشرية توجد سدرة الشلاليق عند المطار على وجه التقريب حيث كانت تربط بأغصانها أماني الأهالي و المارة .، حيث تعلق قطعة قماش أو خيط صوفي فسميت بسدرة الشلاليق.

وحسب روايات بعض الأهالي فان "عرش أولاد محمد" كانوا من أكثر العروش إيمانا و تعلقا بها و الظاهر أن عقيدة بقايا القبائل الهلالية بالسدرة المقدسة تمثل امتدادا و تواصلا مع عقيدة العرب بسدرة ذات أنواط لما تجلبه لهم من قوة و حسب و كرم و خصب و عطاء.

وكما قال لي احد كبار السن: " عندما كانت النية عند الناس و العمل كنا نمر من حولها و نربط قطع القماش وننوي ما نريد و كما يقال وين النية و ين العمل " كما توجد عدة أشجار أعطيت صفة القداسة إما لأنها وجدت عند قبر أحد الأشراف أو الصلحاء أو أنها كانت محبسة لولي أو مسجد أو لتجهيز طلبة العلم الشريف لبوغ تحصيلهم و قبل خوض غمار زيتونة فريانة الأقدس لابد لنا من وقفة مع زيتونة حازت قدسيتها بقوة الدم و السيف إنها زيتونة سبيطلة.

تقع هذه الزيتونة على راس ربوة تبعد عن مدينة سبيطلة حوالي 6 كلم و هي قديمة جدا و يمكن أن يكون عمرها أكثر من تاريخ غزوة العبادلة السبعة 27 هـ / 684 م و تحظى هذه الزيتونة بإجلال بلغ حد القداسة عند الأهالي. حيث يلجؤون إليها ملتمسين عندها البركة و يستغيثون بها عند الشدائد و يعود كل ذلك إلى قصة قديمة تعود لأيام غزوة العبادلة السبعة للمجال الترابي لمدينة سبيطلة، مفادها أن أفراد الجيش الإسلامي الرسمي من القتلى و الجرحى يتم نقلهم لظل هذه الزيتونة الوارف للمعالجة، علما أن الخليفة الثالث عثمان بن عفاف الأموي قد أمد قائد جيش عبد الله بن سعد بمجموعات من " أعيان الصحابة " و أبنائهم و بذلك جاءت قدسية هذه الشجرة التي تذكر القصص المحلية أن ظلها لا يتحول عن المكان الذي كان يوضع فيه جرحى و شهداء الصحابة و التابعين.

و نلحظ من خلال هذه القصة تداخلا بين الأسطورة و المخيال الشعبي عند أهل فريانة و مجالها الحيوي حول زيتونتهم الأقدس.


1- قصة الزيتونة بين الأسطورة