عمر حلي | Omar Halli
رئيس جامعة ابن زهر-أغادير -سابقا
مستشار مدير عام منظمة الإيسيسكو مكلف باتحاد جامعات العالم الإسلامي
ليست الثقافة مرحاً، بل متعة وإفادة. جميعنا يعلم الدور الريادي الذي تلعبه الثقافة في حياة المجتمعات. فهي تعلب دور الأساس ودور المواكبة ودور التحصين، وكلنا يعلم أن الثقافة واكبت مجتمعاتنا يوم كنا نفتح النوافذ على العالم ونستلهم منه النظريات والأسس، نمزجها مع ثقافتنا دون توجس، لأن المثقف كان يلعب دور المصفاة التي بها تنتقل المعارف و تتشذب عبر الترجمة والاقتباس وعبر المناقشات التي لم تكن تنتهي والندوات الفكرية والمشاهدات.
كانت الثقافة من الأسس، لأنها كانت تتكامل مع المجال السياسي ومع كثير من الممارسات الاجتماعية ومع الفعل المدني والنقابي ومع الحياة المدرسية والجامعية، ومع ما يجري في دور الشباب والمخيمات الصيفية وغيرها. ولذلك كان السياسيون يهتمون بالثقافة وكانت الأحزاب تتسابق لكي تكون مهيمنة أو ممثلة في الجمعيات الوطنية والمحلية، وكانت مؤتمرات الكتاب والملتقيات تناقش فوق طاولة اجتماعات السياسيين، يتداولون فيها ويحضرون افتتاح مؤتمراتها ويُفردون لها صفحات في جرائدهم الوطنية. كانت الثقافة مُلهمة رغم تبعيتها وكانت الفرق المسرحية والقراءات الشعرية تصنف سرّاً أو علانية ضمن أفق حزبي أو تنظيمي، ولم يكن هذا الأمر عسيراً لأن التقارب كان حاصلا كما كانت التقاطعات شبه واضحة.
ولعل الدور الذي لعبه الاطلاع الواسع على الآداب العالمية مترجمة وعلى الإنتاجات المغربية والمشرقية، كان يسهل مد الجسور الفكرية هنا وهناك.ولتلك الأسباب، لم يكن الانتقال من المدرسة إلى دار الشباب ومنهما إلى قاعة العروض والمعارض يحدث الرجة التي نحسها اليوم. تسمع سارتر هنا وهناك وأحاديث عن نجيب محفوظ في الثانوية وفي القراءات الحرة وفي السينما. ويكون للرجة التي يحدثها إصدار ما صدى في الجريدة وفي المناقشات وفي الجلسات. كانت الثقافة إذن أساسا من أسس الحياة وامتدادا من امتداداتها.
ثم كانت الثقافة تُهضم على مهل، إذ كانت المسرحيات والروايات والأشعار والأفلام والمسرحيات والأغنيات تأخذ وقتها الكافي في التوزيع وفي القراءة وفي التداول. أتذكر الآن كيف أن مسرحية "زهرة بنت البرنوصي"، مثلا، عُرضت لسنوات وفاق عدد عروضها ما كان متوقعا، وكانت القصائد تنزل تباعا ويأخذ القارئ وقته الكافي ليرددها ثم ليحفظ أهم مقاطعها، ثم يُتغنى بها فتنقش في الصدور وتنحت في الذاكرة. ربما كان لتوحيد المقررات أثر بليغ في تدبير الزمن الثقافي. ويبدو أن الثقافة لصيقة بالأحلام، بحلم التغيير وحلم المقاومة وحلم التحصين، وإذا كان الأمر كذلك، ربما حان الوقت لنجعل من الأفعال الثقافية أداة بناء وتبصر، وإلا فسوف نجد أنفسنا في مجتمع لا تؤثر فيه الإنتاجات الثقافية ولا يبالي بها، في مقابل فئات تيسر لها الاطلاع على الأعمال الفنية والأدوية وعلى اللغات، تستمتع بها وتتلذذ بالتفوق وبالامتياز عبرها.
كما أن للثقافة دور التحصين كذلك، وكلما خلا مجتمع من أسس ثقافية، كلما سهُل اختراقه، وكلما زادت موازينه في الآداب والفنون كلما كان صلباً منيعاً، في غير تشدد ودون تعصب. كذلك كان وكذلك سوف يكون، ولذلك علينا أن نعلي راية الثقافة والإبداع، وأن نكثر من الاهتمام بالينابيع التراثية ومن السعي إلى الإحاطة بالأعمال الإبداعية بكل فنونها، دون أن نهمل الاهتمام بما يجري حولنا في العالم من إشراقات ما أحوجنا إليها. نريد إذن أساساً ثقافياً وحصناً إبداعياً متكاملين مع التربية داعمين لها، ونريد أن يُهتم بالتربية الثقافية والفنية من طرف الجميع.