الأستاذ الدكتور مجدي حاج إبراهيم
(بحث مشترك منشور في مجلة التجديد، الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، المجلد 15، العدد 30، 2011م)
ملخص البحث:
يهدف هذا البحث إلى التعريف بتجربة المرأة الملايوية في كتابة القصة القصيرة، ودراسة الأثر الذي تركته على تطور فن القصة الملايوية بصورة خاصة والأدب الملايوي بشكل عام. وتكشف هذه الدراسة بأن القاصة الملايوية تحتل موقعا هاما على خريطة الأدب الملايوي، فهي لا تقل شأنا عن الرجل، حتى أصبح من الاستحالة بمكان أن نتحدث عن تاريخ القصة الملايوية بدون ذكر دور المرأة الريادي فيه. لقد أثبتت القاصة الملايوية قدرتها على الإبداع، والسرد الفني للوقائع والأحداث، واستطاعت أن تعبر عن همومها وآمالها وتطلعاتها بأسلوبها المتميز من خلال تجاربها الشخصية ورؤاها الخاصة. فنالت قصصها استحسان القراء والنقاد على السواء، مما أهلها لحصد العديد من الجوائز التقديرية على مختلف المستويات. وقد عرفت الساحة الأدبية الملايوية أقلاما نسائية كثيرة كان لها كبير الفضل في إثراء المكتبة الأدبية الملايوية. ومن هذا المنطلق، فإن هذه الدراسة ستتناول دراسة أهم الملامح والسمات الاجتماعية التي تميزت بها القصة الملايوية النسوية؛ وذلك من خلال مناقشة أهم الموضوعات والقضايا التي تناولتها القاصة الملايوية، ودراسة مدى انعكاس ذلك على لغتها الروائية ونظرتها للواقع المعيش والمستقبل المأمول.
ABSTRACT
This research paper aims to show Malay woman’s experience in writing short stories and to study the impact that she has left on the development of the art of the Malay Narrative specifically and Malaysian Literature in general. This study also reveals that Malay Narrative occupies an important position on the map of Malaysian Literature; where women are no less significant than men are, so that it is impossible to talk about the history of Malaysian Narratives without mentioning the pioneering role of women. The Malaysian Narrative has proved its ability to be creative and artistic in the narration of facts and events, and in the way they were able to express their concerns, hopes and aspirations they distinguished style through their personal experiences and their own vision. Women’s stories won the admiration of the storyteller and the critic alike, which contributed to it qualifying for numerous honorable awards at various levels. The Malay Literary scene distinguishes the writing of many women who are credited with the enrichment of the Malay Literary corpus. In an effort to enlighten the reader about Muslim nations’ literature, this research paper explores and examines the pioneering role of women in the development of the modern Malay Narrative.
أولا: تمهيد:
لقد شاع الاهتمام في الوقت الراهن بأدب المرأة أو الأدب النسوي، وهو باختصار شديد الأدب الذي تكتبه المرأة. وقد أُفردت دراسات مختلفة تناولت هذا الاتجاه الحديث من الدراسة في كثير من الأقطار العربية والإسلامية. وبالرغم من الجدل والحساسية التي أثارها مصطلح (نسوي) في الأدب إلا أن نتاج المرأة الأدبي لم يتوقف أو يتأثر سلبا، بل نجده يزداد ويتطور، فلا يكاد المتتبع للأعمال القصصية المتأخرة يستطيع التمييز بين قصص المرأة والرجل. لقد استطاعت المرأة أن تحتل مكانة عظيمة في مجال التأليف القصصي أهلتها لأن تنافس الرجل وتفرض نفسها بقوة على الساحة الأدبية. فنتاج المرأة الأدبي العالمي قد أثبت بجلاء قدرتها الفذة على الإبداع ونجاحها في التعبير عن همومها وآمالها وتطلعاتها.
لم يقتصر الإبداع النسوي على قطر معين أو لغة معينة، فلا تكاد تخلو لغة ولا حتى دولة من قلم نسائي استطاع أن يجذب الأنظار نحوه ليبني لنفسه قاعدة جماهيرية عريضة، ويحتل موقعا على الساحة الأدبية يلتف حوله القراء النقاد المعجبون والساخطون على حد سواء. بل وصل الحال في بعض الدول أن احتكرت المرأة التأليف القصصي، ففي الأردن مثلا أجرت جريدة الدستور إحصاء للقصص المنشورة في ملحقها لعام 1990م، فوجدت أن 90% من كتاب القصة القصيرة الجدد كانوا من النساء[i].
وفي ماليزيا، أصبحنا نلمس ظاهرة تزايد الأقلام النسائية على الساحة الأدبية بشكل ملحوظ. فالأدب الملايوي الحديث، برغم حداثة سنه، أصبح اليوم يعج بأعمال أدبية نسوية كثيرة، قصصية وروائية، تشكل ظاهرة تستحق الدراسة والمتابعة. من هنا فإن هذه الدراسة تسعى إلى التعريف بتجربة المرأة الملايوية في التأليف والإبداع القصصي في القرن العشرين بكل ما تحمله من نجاحات وإخفاقات. وسيتطرق البحث أيضا إلى دراسة أثر المرأة وتأثيرها على مسيرة الأدب الملايوي، ودورها الريادي في تطوير فن القصة الملايوية. ومن أجل تلمس ملامح الخطاب الاجتماعي في القصة الملايوية النسوية، فإن البحث سيتناول بعض النماذج القصصية المختارة للتعرف على أهم هذه الملامح التي تميز النتاج الأدبي الفني للقاصة الملايوية.
لكن قبل المضي قدما في بحثنا هذا يجدر بنا أن ننوه إلى أن تخصيص هذه الدراسة بأدب القصة النسوية الملايوية لا يعني بالضرورة الإشادة بتفوق جنس على آخر، أو عزل الإبداع النسوي عن الإبداع الذكوري، وتفضيل أدب المرأة على أدب الرجل، فليس هناك دلالات تفضيلية نقصدها من وراء استخدام مصطلح (الأدب النسوي)، وإنما القصد دراسة أدب المرأة الملايوية بمنهجية صرفة ترمي إلى التخصص الدقيق في البحث والدراسة. وعليه فإننا نؤكد مرة أخرى أن الأدب الحقيقي ليست له جنسية سوى الإبداع، فالرجل والمرأة، كل بطريقته، قد شاركا في تطوير فن القصة. وما كان للقصة أن تتطور وتصل إلى ما وصلت إليه بواسطة الرجل وحده، أو المرأة وحدها، لأن فن القصة من أشد الفنون الأدبية تغيرا وتعددا وتكاثرا، وأساليبه تتنوع كلما اختلفت التجربة، وتغيرت زاوية التركيز من كاتب لآخر. لذلك فإن مما لا شك فيه أن المرأة أضفت وأضافت إلى القصة ألوانا جديدة متميزة من التجارب والرؤى الخاصة التي تعكس شخصيتها وتعبر عن ذاتها، الأمر الذي يؤكد مرة أخرى ضرورة دراسة أدب المرأة على حدة، وفي معزل عن أدب الرجل.
ثانيا: نشأة القصة الملايوية الحديثة وتطورها:
القصة القصيرة فن حديث نسبيا، ارتبط ظهوره بالتغيرات الاجتماعية في أوروبا في نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن الماضي. ثم بدأ هذا الفن بالانتقال والانتشار في مختلف أرجاء المعمورة، ونتيجة لظهور الصحف والمجلات الثقافية التي عنيت بالترجمة والتأليف لملء الفراغ الأدبي فيها تعرف العالمان العربي والإسلامي في بداية القرن العشرين على هذا الفن وغيره من الفنون المستحدثة، وتأثر به وتفاعل معه.
بدأ ظهور القصة الملايوية الحديثة في العقد الثاني من القرن الماضي المنصرم، وذلك عندما نشرت مجلة (Pengasuh) في 4 فبراير لعام 1920م قصة (مصير إنسان) (Kecelakaan Pemalas) لنور بن أحمد. ثم ظهرت ثلاث مجلات ثقافية متزامنة سارت على الخطى نفسها في تبني المواهب الأدبية والفنية؛ وهي مجلة (Panduan Guru) عام 1922م، ومجلة (Penyuluh) عام 1924، ومجلة (Guru) عام 1925م. ومن أهم الأسماء التي برزت في تلك الفترة: عبد الرحيم كاجاي، وهارون محمد أمين، وإسحاق الحاج محمد، وبونجوك (Pungguk)، وأبو بكر علي، ومصبحة، ويوسف أرشد. ثم توالى ظهور الصحف والمجلات الثقافية والفنية على مدار القرن الماضي، منها على سبيل المثال لا الحصر: مجلة (Suara Kebajikan)، ومجلة (Penggeli Hati)، ومجلة (Penghiburan)، ومجلة (Pelenggu Perkasihan)، ومجلة (Cerita)، ومجلة (Mastika)، ومجلة (Utusan Zaman)، ومجلة (Warta Jenaka)، ومجلة (Warta Ahad). وقد كان لهذه المنابر الثقافية دور عظيم في تشجيع الجيل الملايوي الجديد على التأليف والإقبال على قراءة القصص، والتفاعل معها. لذلك نجد أن الجيل الأول من الكتاب الملايويين قد نشر معظم نتاجه في صفحات الصحف والمجلات المحلية.
يقسم النقاد الملايويون مسيرة تطور الأدب الملايوي الحديث إلى مرحلتين؛ مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية، ومرحلة ما بعدها. ولا نكاد نجد في مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية قصة ملايوية تتسم بالنضج الفني، فالغرض العام من تأليف القصص لم يكن يخرج عن التسلية والترفيه على الرغم من الأهداف الأخلاقية التي كانت تتضمنها. فقد كانت القصص في تلك المرحلة تركز على الفائدة الأخلاقية، حيث كان الكتاب الملايويون التقليديون يهتمون بالقيم الإسلامية ويدعون إلى الأخلاق الفاضلة من خلال معالجة القضايا الأخلاقية والاجتماعية والتعليمية، وكانوا في بعض الأحيان يقدمون ذلك على العناصر الجمالية والفنية[i]. وقد عرّف المفكر والأديب الملايوي الكبير (زأبا) (Za’ba) في عام 1926م القصة القصيرة بأنها "القصة المثالية التي تسعى إلى إيصال رسالة جيدة وأخلاقية، وليست القصة الأسطورية أو الغريبة التي لا يقبلها العقل الحاضر"[ii]. لذلك فقد ظهرت معظم القصص في المرحلة الأولى للأدب الملايوي الحديث وكأنها مواعظ وعبر تتكلم عن المثالية المطلقة وإن حاولت في بعض الأحيان تقديم ذلك بطريقة غير مباشرة. ولعل إقبال كتّاب تلك المرحلة على ترجمة الأعمال الأدبية من الشرق الأوسط قد ساعد على إدخال الصبغة الدينية الإسلامية على النتاج القصصي.[iii] بيد أننا نلمح أن القصة الملايوية، على الرغم من الضعف الفني الذي كانت تعاني منه في مراحلها الأولى، قد استطاعت أن تعبر بشكل أو بآخر عن المشكلات الاجتماعية والحالة النفسية التي كان يعيشها المجتمع في ذلك الوقت.
أما مرحلة النضج الفني للقصة الملايوية فلم تتبلور وتتضح ملامحها إلا بعد الحرب العالمية الثانية، فقد كان للاحتلال الياباني بين عام 1942م – 1945م والتغيرات السياسية التي صاحبته دور بارز في جلب بذور التجديد والنهضة للأدب الملايوي. فبعد الإنسحاب الياباني من الأرخبيل الملايوي حدث نمو سريع في مجال الطباعة والنشر حيث ظهرت أربع وأربعون صحيفة ومجلة فيما بين الأعوام 1945م – 1950م. وقد أدى نمو الطباعة والنشر إلى ظهور عدد كبير من الصحفيين والكتاب، فظهر مجتمع أدبي نشيط كانت له اليد الطولى في تحول الاتجاه الأدبي الملايوي من مرحلة التقليد إلى مرحلة جديدة من النهضة والفكر والتجديد والحداثة القادرة على مواكبة مستجدات العصر الحديث. وقد أدى وجود مثل هذا المجتمع الأدبي إلى ظهور العديد من الهيئات والمنظمات الأدبية التي نشطت بشكل كبير في أوائل الخمسينيات. وقد كانت تلك السنوات سنوات القصة القصيرة والشعر، فلا عجب إذن أن تعد الخمسينيات النقطة الفاصلة لتطور الأدب الملايوي الحديث.[iv]
وقد عزا الناقد عثمان بوتيه تطور فن القصة الملايوية بعد الحرب العالمية الثانية إلى ثلاثة أسباب رئيسة، وهي[v]:
أولا: التطور الكبير الذي شهدته الصحافة الملايوية، فقد كانت الصحف الثقافية والفنية قبل الحرب العالمية الثانية هي وحدها التي كانت تعني بنشر الأعمال الأدبية، وكانت هذه الأعمال تصل فقط إلى الطبقة المثقفة من المجتمع. ولكن بعد الحرب العالمية الثانية أخذت معظم الصحف والمجلات الماليزية على اختلاف توجهاتها واهتماماتها تخصص مساحات للإبداع الأدبي، الأمر الذي ساعد جمهور المجتمع بمختلف طبقاته على التعرف إلى فن القصة والتفاعل معه.
ثانيا: ظهور طبقة مثقفة من الكتّاب والمؤلفين الماليزيين ذوي خلفيات ثقافية متعددة ومتنوعة، فقد أتيحت لمعظم المؤلفين الذين ظهروا بعد الحرب العالمية الثانية فرصة مواصلة التعليم داخل ماليزيا وخارجها، فاستطاعوا أن يصقلوا مواهبهم بالعلم والاحتكاك بالثقافات العالمية المختلفة. وقد شكلت هذه الطبقة المثقفة اتحادات وهيئات شاركت في لمّ شتات المثقفين الجدد تحت سقف واحد، فظهر على الساحة الأديبة (اتحاد الكتّاب الوطنيين) (PENA) (Persatuan Penulis National)، و(رابطة الأدباء 50) (Asas 50) (Angkatan Sasterawan 50) التي تأسست في سنغافورة عام 1950م، والتي ساهمت بشكل فعال في دفع الحركة الأدبية والثقافية الملايوية، فضلا عن إتاحة الفرصة أمام الكتّاب القدامى والجدد كي للاجتماع وتدارس نتاجهم الإبداعي بمختلف أشكاله.
ثالثا: تنظيم المسابقات الثقافية ذات الجوائز التقديرية القيمة التي استطاعت أن تكتشف كثيرا من المواهب الفنية الراقية، ومن أهم الجهات التي كانت تدعم هذه المسابقات: مجمع اللغة الماليزي (Dewan Bahasa dan Pustaka)، ومجلة (Mastika)، وجريدة (Berita Harian).
لقد ساعدت هذه العوامل الثلاثة على تطور القصة الملايوية حيث نشطت الكتابة القصصية، وزاد الإقبال عليها، وأصبح النتاج القصصي الملايوي يتسم بطابع الجدية، وأخذ الأدباء في البحث عن أشكال قصصية جديدة للارتقاء بمستوى الأدب الملايوي بمختلف أشكاله. وأصبحت ماليزيا اليوم تضم كوكبة من كبار الأدباء والمبدعين، منهم: كريس ماس (Keris Mas)، وعبد الصمد سيد، وأرينا واتي (Arena Wati)، وقاسم أحمد، وشاهنون أحمد الذي قال عنه تون رزاق، رئيس وزراء ماليزيا الثاني، إنه (فكتور هوجو) ماليزيا[vi].
ثالثا: مسيرة القصة الملايوية النسوية:
يصعب تحديد تاريخ ظهور القصة الملايوية النسوية الأولى؛ وذلك لأن بعض الكاتبات الأوائل كن ينشرن قصصهن تحت أسماء مستعارة، ومنهن من لم يستمر في الكتابة طويلا فلا نجد لهن إلا قصة أو قصتين، وهؤلاء لا نكاد نعرف عنهن شيئا اليوم. من المتفق عليه أن الرجل الملايوي بدأ التأليف القصصي قبل المرأة، لأنه سبقها إلى الحياة الحديثة عن طريق الدراسة والسفر والاحتكاك بالعالم الغربي الذي صدّر القصة والرواية الحديثة إلى سائر أرجاء المعمورة. وجدير بالذكر أيضا أن المرأة الملايوية أقبلت على كتابة فن القصة القصيرة قبل الرواية نظرا ليسر إنجاز القصة ذات الشكل الفني القصير، فضلا عن سهولة نشرها في المجلات والصحف اليومية.
تناول الأديب هاشم أوانج في دراسته للقصة الملايوية في مراحلها الأولى الحديث عن الأقلام النسائية الأولى التي كان لها فضل السبق في التأليف القصصي، ونستطيع أن نعد عام 1934م البداية الحقيقية لظهور القاصات الملايويات على الساحة الأدبية، فقد نشرت القاصة حفصة في هذه السنة، قصة (مأساة زواج الإكراه) (Kesediahan Kahwin Paksa)، ثم نشرت القاصة نورمة (Normah) في السنة نفسها قصة (القبض على اللص في وقت العشاء) (Waktu Isyak Menangkap Pencuri).[i]
وإذا نظرنا إلى بدايات القصة الملايوية النسوية من حيث مضامينها وأشكالها الفنية نجد أنها لا تختلف كثيرا عن البدايات الأخرى للقصة في العالم الثالث. فبدايات جميع القصص، سواء أكانت للرجال أم النساء، لم تخل من هنات وضعف تؤخذ على فن القصة. فلم يكن النتاج القصصي الملايوي النسوي في بداياته إلا خليطا من السرد، والترجمة الذاتية، والرسائل المتبادلة، ولم تستطع الكاتبات الأوليات إخفاء شخصياتهن، بل نجدهن يقحمن أنفسهن في كثير من الأحيان لتلقين القارئ المواعظ والعبر. لذلك فقد طغى على الجيل الأول من الكاتبات المنحى التعليمي، وسيطر على القصة الملايوية قبل الحرب العالمية الثانية الفهم الساذج لوحدة الانطباع فضلا عن النهايات الوعظية المفتعلة. وقد كان عنوان القصة في تلك المرحلة كافيا للكشف عن مضمون القصة وحبكتها، بل وحتى نهايتها. وإليك نماذج من هذه القصص التي يمكن أن نشتم محتواها وتفاصيلها من عناوينها: قصة (العلم أغلى من الجواهر) (Ilmu Terlebih Berharga daripada Berlian) لشريفة فاطمة خالد، وقصة (المحامي الهندي) Berloyarkan Keling) لجميلة عمر، وقصة (جزاء المعروف) (Balasan Budi Yang Baik) لملاتي Melati.
أما إذا انتقلنا إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فإننا نلمس اختفاء معظم القاصات الأوليات من الساحة الأدبية باستثناء ملاتي التي نشرت في مجلة (Mastika) عام 1947م قصة (الدكتور محمود) (Doktor Mahmud). وقد شهد العقد الأول من هذه الفترة، فترة الخمسينيات، ظهور جيل جديد من الأقلام النسائية بدأ عطاؤه القصصي مع بداية الستينيات، وقد تميز هذا الجيل عما سبقه بتأثره بالتجريب، وباستخدام الأشكال القصصية الحديثة التي شاركت في إعادة بناء القصة الملايوية القصيرة بشكل فني متقدم. ومن بين أشهر الأقلام النسائية التي لمعت في الخمسينيات: رقية أبو بكر، وأنيس صابرين، وسواية حسني، وسلمى مانجا، وزاوية محمد نوح، وزهرة نواوي.
وفي بدايات الستينيات، ظهرت مجموعة من القصص النسوية اتسمت بنضج فني واضح، حيث صاحب هذه الفترة تطور في التعليم، وانفتاح على العالم الغربي، وطموح في النهوض السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فقد تحررت ماليزيا من الاستعمار البريطاني، وبدأ شعبها يفكر في التحرر من التخلف، ويتطلع إلى مستقبل أفضل يسوده الخير والعمران والتقدم. ومن أبرز القاصات اللاتي ظهرن في هذه المرحلة: خديجة هاشم، ويتيمة بابا، وميمون رحمن، وأنيس، وسلمة محسن، وسارة رحيم، وزهرة عريف، وفاطمة بوسو.
أما فترة السبعينيات فقد تميزت بنجاحات اقتصادية ملموسة حيث شهدت البلاد استقرارا سياسيا واقتصاديا، واستبشر الناس مستقبلا يعِد بحدوث تطور اقتصادي أضخم. لذلك فقد زاد النتاج القصصي النسوي في آواخر السبعينيات؛ وذلك حين زاد إقبال المرأة على التعليم في مختلف مستوياته، واخذت المرأة تنخرط في الحياة العامة، وتعمل في شتى المجالات. فالتحمت بالوطن والإنسان، وتناولت قضايا المجتمع بالدراسة والتحليل، لا سيما أن معظم كاتبات ذلك الجيل عملن بالصحافة، بل نجد منهن من تفرغن للصحافة حتى صارت مصدر رزقهن الوحيد. وترى ماجدة حمود أن أهم ما يميز مهنة الصحافة لدى الأدباء أنها تكسب لغتهم مرونة وحيوية مستمدة من الممارسة التي تكاد تكون شبه يومية لهم، مما يجعلهم يقتربون أكثر من هموم الناس، الأمر الذي يساعد بشكل إيجابي على الإبداع الأدبي كمّا وكيفا.[ii] وأهم أديبات هذه الفترة حفصة حسن، وزورينة حسن، وستي زينول إسماعيل، وشفيقة أفندي، ورقية عبد الحميد، ومزنة رئيس، وزنارية وان عبد الرحمن.
جدير بالذكر أن معظم رائدات القصة الملايوية أمثال رقية أبو بكر، وأنيس صابرين، وسلمة محسن، وخديجة هاشم، وأنيس، وغيرهن ينتمين إلى ولاية جوهر في جنوب ماليزيا، وهي أكثر الولايات الماليزية انفتاحا واحتكاكا بالغرب؛ وذلك بسبب موقعها الجغرافي الملاصق لسنغافورة التي كانت مركزا للحركة الأدبية الملايوية، وقد اكتسبت سنغافورة شهرتها ومكانتها بين الولايات الماليزية الأخرى منذ أن اختارها الاستعمار البريطاني مركزا لحكومته.[iii] بيد أننا لا يمكن أن نجحف حق الولايات الماليزية الأخرى، فقد استطاعت هي الأخرى، رغم التخلف الذي كانت تعاني منه والمعيشة القاسية التي كانت تسودها، أن تخرّج لنا قاصات متميزات تركن بصمات واضحة على مسيرة القصة الملايوية الحديثة، مثل فاطمة بوسو ابنة الولاية الشمالية (كلنتن) (Kelantan). ولكن يبقى فضل السبق والصدارة في النتاج الأدبي النسوي في كل من الخمسينيات والستينيات، والسبعينيات أيضا، لولاية جوهر الجنوبية بلا منازع.
ومع حلول الثمانينيات وحتى أواخر التسعينيات امتاز النتاج القصصي الملايوي بالتنوع والزخم والتطور الفني الواضح، فقد دخلت ماليزيا عالم الصناعة، وتحولت من دولة زراعية بدائية إلى دولة صناعية تسير بخطى حثيثة نحو مصاف الدول المتقدمة. وقد صاحب هذه النهضة الصناعية تطور في النتاج الأدبي، فتنوعت مضامين القصة الملايوية وامتدت على أرضية واسعة، وشهدت كتابات المرأة الملايوية تحولا كبيرا من شعرية العواطف إلى الاهتمام بالنوع الأدبي وتطويره واستخدامه للكشف عن دواخل المرأة بدلا من مجرد الاحتجاج على وضع المرأة الهامشي في المجتمع الملايوي. ويمكننا ملاحظة توجه بعض القاصات نحو الرمزية بصورة مكثفة، والابتعاد عن العناوين المألوفة البسيطة التي تعارف عليه جيل الرواد في الخمسينيات وحتى السبعينيات. ومن أبرز الأسماء الأدبية التي ظهرت في هذه الفترة: زهرة إبراهيم، وستي عائشة مراد، ونور بيتي بدر الدين، ووردية عبد الرحمن، وسري دياه (Sri Diah)، وعائشة عمر، وحليلة حاج خالد.
ولا تزال الأقلام الأدبية النسوية الجديدة تظهر بين الفينة والأخرى في الألفية الجديدة، لكننا سنستثنيها من بحثنا هذا، لأنه لم يتبلور لمعظمها حتى الآن شخصية قصصية واضحة، فهي أقلاما شابة يانعة لم تأخذ حظها بعد، ولا تزال في طور التجريب والبحث عن ملامحها القصصية الواضحة.
رابعا: وقفة مع رائدات القصة الملايوية:
عرفت الساحة الأدبية الملايوية عشرات الأقلام النسائية التي ساهمت في تشكيل تاريخ القصة الملايوية الحديثة وصياغته، وقد ذكرنا بعضا منها آنفا في تناولنا للمبحث السابق. ونظرا لوجود هذا الكم الهائل من الأقلام النسوية فإنه لا يسعنا في هذه العجالة القصيرة أن نوفيهن جميعا حقهن من البحث والدراسة. لكننا أيضا لا يمكن أن نمر على كل هذه الأقلام المبدعة مرور الكرام دون أن نتوقف عند بعضها، على أقل تقدير، ولو بقليل من التعريف والشرح. وسنحاول هنا إلقاء الضوء على أشهر القاصات الملايويات وأكثرهن إنتاجا وتأثيرا وتميزا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
نتعرف أولا على القاصة رقية أبو بكر، وهي من مواليد ولاية جوهر عام 1939م. تلقت تعليمها الأولي في مدينة باتو باهات (Batu pahat)، ثم عملت مدرسة. وقد بدأت في نشر قصصها في الصحف والمجلات منذ الخمسينيات. وعلى الرغم من غزارة نتاجها القصصي إلا أنها لم تجمع قصصها في مجموعات قصصية، ولا تزال قصصها متناثرة بين طيات المجلات حتى يومنا هذا. وقد تناولت هذه الكاتبة في قصصها قضايا المرأة الشخصية والمهنية، ومشكلات الشباب والتغيرات التي طرأت على المجتمع الملايوي. ومن أشهر نتاجها قصة (الذنب) (Dosa) المنشورة في جريدة (Berita Harian) في 7 سبتمبر 1961م، والتي استحقت بها جائزة الجريدة التقديرية في سنة 1966م. كما عُرفت رقية أبو بكر بمجموعة من القصص المميزة، منها على سبيل المثال: قصة (شخص من الماضي) (Orang Lama) المنشورة في جريدة (Utusan Zaman) في 29 سبتمبر 1960؛ وقصة (الفتاة التي عادت من بريطانيا) (Gadis Pulang Dari England) المنشورة في الجريدة نفسها في 15 نوفمبر 1960م؛ وقصة (إلى الطريق المظلم) (Ke Lorong Gelap) المنشورة في جريدة (Berita Minggu) في 25 مارس 1962. وعلى الرغم من النجاحات التي حققتها هذه الكاتبة إلا أنها اعتزلت التأليف القصصي في السبعينيات لأسباب شخصية.[iv]
وفي الحقبة الزمنية نفسها، ظهرت الكاتبة أنيس صابرين، من مواليد ولاية (جوهور) (Johor) عام 1934م، وقد حصلت على البكالوريوس في الآداب من جامعة ملايا بسنغافورة، ثم أكملت دراساتها العليا فحصلت على الماجستير في العلوم السياسية، ثم الدكتوراه في الاقتصاد من كاليفورنيا. وقد بدأت أنيس صابرين التأليف ونشر قصصها في أولى سنوات التحاقها بالجامعة. وفي عام 1966م جمعت قصصها المنشورة في الخمسينيات، وقامت بنشرها في مجموعة قصصية بعنوان (الرياح المتشققة) (Angin Retak) عام 1966م. كما أصدرت في السنة نفسها مجموعة قصصية أخرى مكونة من عشرين قصة جديدة بعنوان (من ظِل إلى آخر) (Dari Bayang ke Bayang). ثم غابت كاتبتنا عن دنيا التأليف في أواخر السبعينيات لأسباب شخضية، لكنها عادت في الثمانينيات أكثر حيوية ونشاطا وهي في أمريكا، فقدمت مجموعة متميزة من النتاج الشعري والقصصي. وتعد أنيس صابرين من أشد الكاتبات حماسة في المطالبة بحقوق المرأة وتحقيق مبدأ المساواة بين المرأة والرجل.[v]
نتوقف عند القاصة صالحة عبد الرشيد التي عرفت باسم سلمى مانجا. ولدت عام 1936م، وبدأت تعليمها في مدرسة دارالمعارف العربية في سنغافورة، ثم التحقت بمدرسة تونغ شاي الإنجليزية. وبعد أن أنهت دراستها عملت معلمة في مدرسة دينية لفترة وجيزة قبل أن تتحول إلى عالم الصحافة، حيث بدأت حياتها الصحفية في مجلة (Kehidupan)، ثم انتقلت إلى جريدة (Semenanjung)، وأخيرا تولت رئاسة تحرير مجلة (Keluarga). وقد سطع نجم سلمى مانجا بقوة في الخمسينيات. وتزوجت في تلك الفترة بالمنتج الماليزي المشهور أحمد سعيد، الذي قدمها إلى مشاهير الفنانين والأدباء في ذلك الوقت. ولكاتبتنا أربع مجموعات قصصية، الأولى مجموعة مشتركة مع بعض الكتّاب بعنوان (الأوراق المتساقطة) (Daun-daun Berguguran) عام 1962؛ والمجموعة الثانية بعنوان (يتيم في أرض الغربة) (Badan Piatu di Rantau Orang) عام 1962؛ ثم أصدرت في عام 1984م مجموعة (هواء) (Hawa)، وفي عام 1985م أصدرت مجموعتها القصصية الأخيرة بعنوان (رياح الجزيرة) (Angin Pulau).[vi]
وفي أواخر الخمسينيات ظهر اسم زهرة نواوي، وهي من مواليد ولاية جوهر عام 1940. وقد درست التصوير الفوتغرافي في طوكيو، وعملت أثناء دراستها مترجمةً ومذيعةً في قسم الإذاعة العالمية لراديو اليابان، وعندما عادت إلى ماليزيا عملت محررة في مجلة (Timang). وقد انشغلت هذه الكاتبة بتأليف كثير من القصائد والقصص والروايات، ومن قصصها المميزة قصة (الغني المتعصب) (Orang Besar Kepala Batu) المنشورة في جريدة (Mingguan Malaysia) في أكتوبر 1965م؛ وقصة (هذه طبيعة نينا) (Tabiat Nina Memang Begitu) المنشورة في الجريدة نفسها عام 1967؛ وقصة (شاهد لم يشاهد شيئا) (Tahu Yang Tidak Tahu) المنشورة في مجلة (Mastika) في يوليو 1968م. وقد جمعت زهرة نواوي قصصها القصيرة في مجموعتين، الأولى بعنوان (النساء) (Wanita) عام 1963م؛ والأخرى بعنوان (الهدية) (Hadiah) عام 1973م.[vii]
وفي الستينيات سطع نجم الكاتبة خديجة هاشم، وهي من مواليد ولاية جوهر عام 1945م. وقد تلقت تعليمها الأولي في مدينة باتو باهت، ثم عملت بالتعليم والصحافة. وتعد خديجة هاشم من أكثر الكاتبات الماليزيات إنتاجا، فلها العديد من القصص والروايات والمسرحيات. ولعل اشتغالها بالتعليم قد أثر في قصصها الأولى التي كانت كثيرا ما تحمل بين طياتها صبغة الوعظ والإرشاد الديني. بيد أن اشتغالها بالصحافة ودخولها دنيا جديدة من الكتابة ساعدها على التحرر من أسلوبها القديم، فتفتحت آفاقها على أنماط جديدة من التأليف القصصي، فكانت قصصها الأخيرة أكثر نضجا وحرفة.[viii] وقد قدمت جريدة (Berita Mingguan) أولى قصصها في إبريل 1969 بعنوان (موت القوادة) (Matinya Si Ibu Ayam)، ثم توالى نشر قصصها في جرائد مختلفة. وقد حصدت خديجة هاشم عديدا من الجوائز التقديرية من الحكومة الماليزية على نتاجها الأدبي المتميز، منها: قصة (أين ذهب الحب؟) (Kasih Entah Ke Mana) عام 1971م، وقصة (عندما تغضب الدجاجة) (Bila Ayam mogok) عام 1974. وفي عام 1975م نالت ثلاث جوائز على ثلاث قصص هي: (الأشرعة الممزقة) (Layang-layang Putus Tali)، (قصة الوردة الحمراء) (Mawar Merah Di Jambang)، (حظوظ الناس) (Tuah Orang).[ix]
ونتعرف أيضا في هذه المرحلة إلى الكاتبة سارة رحيم، وهي من مواليد ولاية جوهر أيضا عام 1947م. وقد تلقت تعليمها الأولي في مدينة موار (Muar). وقد اشتهرت بتأليف العديد من الدراما الإذاعية. وقد نالت قصتها (قصة وذكرى) (Kisah dan Kenangan) المنشورة في مجلة (Mastika) جوائز تقديرية. وقد قامت بجمع قصصها المنشورة بين 1962م-1966م في مجموعة قصصية بعنوان (قلق) (Gelisah)، وقد فازت هذه المجموعة القصصية بالجائزة الأولى لمسابقة كتابة القصة القصيرة بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس إذاعة وتلفزيون سنغافورة.[x]
ومن كاتبات هذه المرحلة أيضا القاصة تيمة بابا، من مواليد ولاية ملاكا عام 1947م. أكملت دراستها الأولى في ولاية ملاكا، ثم عملت معلمة في ولاية باهانج (Pahang)، ثم عادت إلى ولايتها، وأخيرا استقر بها الحال في ولاية سلانجور (Selangor). عُرفت تيمة بابا عام 1966م من خلال قصتها (الهزيمة) (Tumpas) المنشورة في جريدة (Berita Mingguan). وقد قامت عام 1981م بجمع كل قصصها في مجموعة قصصية بعنوان (مكتوب على عينها) (Matanya Masih Di Pintu).[xi]
نتوقف في السبعينيات عند الكاتبة فاطمة بوسو، من مواليد ولاية كلنتن، التي انخرطت في سلك التعليم في أول حياتها في إحدى المدارس قبل أن تلتحق بجامعة العلوم الماليزية لمواصلة دراساتها العليا، لتصبح فيما بعد محاضرة في الجامعة نفسها. ويتميز نتاج فاطمة بوسو الأدبي بالتنويع والتجديد، كما يظهر بوضوح تأثرها الشديد بالأدب الغربي. وقد تحدثت بجرأة عن تجاربها الشخصية في قصة (أولاد قرية باسير) (Anak-anak dari Kampung Pasir) المنشورة في مجلة (Dewan Bahasa) في عام 1975م، وقصة (بطلة بدون بطل) (Heroin Tanpa Hero) المنشورة في المجلة نفسها عام 1976م. وقد استحقت جائزة الأدب الماليزي على إبداعها المتميز، كما حصدت جوائز عديدة على قصصها المنشورة، منها: قصة (الوردة التي لم تذبل) (Mawar Yang Belum Gugur) عام 1971م، وقصة (القدر المدلوق) (Nasinya Tumpah) عام 1982م. وقد جمعت قصصها المنشورة في ثلاث مجموعات قصصية، هي: (الأرض الخضراء) (Lambaian Tanah Hijau)، و(الخالد) (Yang Abadi)، و(الإسراء) (A-Isra).
خامسا: تأملات في ملامح الخطاب الاجتماعي في القصة الملايوية النسوية:
سيتناول البحث هنا دراسة أهم الملامح والسمات الاجتماعية التي تميزت بها القصة الملايوية النسوية؛ وذلك من خلال مناقشة أهم الموضوعات والقضايا التي تناولتها القاصة الملايوية، ودراسة مدى انعكاس ذلك على لغتها الروائية ونظرتها للواقع المعيش والمستقبل المأمول.
سبق أن أشرنا إلى أن النهضة الملايوية الفكرية والعلمية بدأت أول ما بدأت في خمسينيات القرن الماضي بعد رحيل المستعمر الياباني، ثم البريطاني من بعده، حيث حمل المجتمع الملايوي - بكل شرائحه رجالا ونساء – على كاهله مسؤوليات النهوض السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ونظرا لأهمية دور الأدب في بناء المجتمع والنهوض به، شاركت القاصة الملايوية في بناء الحركة الإنسانية للمجتمع الماليزي والدعوة للأخذ بمقومات الحضارة الحديثة. وفي سبيل تحقيق ذلك، تعرضت القاصة الملايوية إلى الكشف عن المشكلات والأمراض الاجتماعية التي كانت تحيط بالمجتمع الماليزي إيمانا منها بأن النهضة الحضارية والفكرية تقتضي صلاح المجتمع في المقام الأول. وقد قامت انطلاقا من نظرتها ورؤيتها الخاصة بتصوير هذه المشكلات والأمراض في مواقف مختلفة ومن زوايا متعددة للتعرف إلى حركة المجتمع التحتية من أجل الوصول إلى مكامن الداء فيه. كما تعرضت القاصة الملايوية في قصصها أيضا إلى قضايا المرأة الخاصة، فطالبت بحقوقها ونادت برفع القهر والظلم عنها، ومواجهة المجتمع الذكوري الذي ينكر على المرأة حقوقها في المساواة والإبداع والتعبير.
لقد نجحت القاصة الملايوية في ترجمة رغباتها المكبوتة وأحلامها وطموحاتها بأسلوب فني بديع ارتقى بمستوى أحلام المرأة العادية إلى مستوى إنساني رفيع. فهي في تناول قضايا مجتمعها وهمومه لم تغفل الجانب الفني في التقديم الروائي، وقد ظهرت الملامح الجمالية والفنية بوضوح في رسم الشخصيات في مختلف أبعادها، ووصف البيئة وتوضيح سماتها المادية والمعنوية. ونضرب مثلا للوصف القصصي لدى القاصات الملايويات في قصة (الغابة المكتظة والجبل) (Belukar, kebun dan Bukit) للقاصة سيتي زاينون إسماعيل، حيث تناولت الآثار السلبية للتطور التكنولوجي والصناعي للمدنية الحديثة على البيئة والطبيعة. وقد عاتبت أفراد المجتمع الريفي الذين تنكروا لأصلهم وفصلهم، وتركوا أراضيهم الزراعية وهاجروا إلى المدينة. وقد أجادت في وصف الخراب الذي جرته آلات المدنية الحديثة على القرى، وإليك مقطع من هذا الوصف القصصي:
“Hampir membelukarkan segalanya. Di mana-mana lalang meruncing. Alur sungai seperti tidak kedengaran lagi. Tiba-tiba ada gerak yang menunda langkahku perlahan, kumasuki kembali ke lorong kebun itu. Menemui serpihan-serpihan sisa peralatan, bahan-bahan dari rumah. Ada jalur dinding, pintu terkopak. Kepala tangga tersandar di sisian busut. Tempayan dengan ukiran naga tergolek – di dalamnya penuh takungan air dirayapi jentik-jentik dan seekor katak melumpat terkejut bila kukuis bibir tempayan tersebut”.[xii]