top of page
  • Instagram
  • Facebook
  • Youtube
  • ICESCO

الترجمة العربية إشراف عبد الرحمن طنكول لعرض مجموعة كتب "في غير المفكر فيه" | "في غير المفكر فيه، الممكن والمحتمل" لمحمد زين العابدين


Mohamed ZINELABIDINE
Abderahman TENKOUL

أ.د. محمد زين العابدين


Ministre tunisien des affaires culturelles 2016-2020

Directeur de la Culture et de la Communication à l’ICESCO

أ.د. عبد الرحمن طنكول


Ancien Président de l'Université Ibn Tofail et Président de la CPU, Doyen de la Faculté des Sciences Humaines et Sociales de l'Université EUROMED - Fès - Maroc



الترجمة إلى اللغة العربية: أ.د. محمد زين العابدين

مراجعة الترجمة إلى اللغة العربية: أ.د. عبد الرحمن طنكول


تقديم



تقدم لنا المجموعات الفكرية الصادرة عن مجالس السربون ضمن سلسلة فرضيات "هيبوثيسيس" "L'Impensé au présent " تطارحات و جدلا مفاهيميا بين فرانسيس فوكوياما و محمد زين العابدين و صامويل هانتينغتون، في حين تتطرق المجموعة الفكرية الثانية "L'Impensé, le possible et le probable " إلى تفاكر بين أندريه مالرو و محمد زين العابدين و إدوارد سعيد حول تاريخية العلاقات الثقافية بين الشرق و الغرب، بالإضافة إلى إشكاليات من بينها مفاهيم الإستشراق و الإستغراب و الهوية والغيرية والتقاطعات المعرفية و العلمية والدينية واللغوية ذات العلاقة. بما يؤكد النظرة الكثيفة للمثقف و الكاتب و الباحث متعدد الأوجه محمد زين العابدين بخلفيتة الأكاديمية الغنية و المتصلة. حيث حصل على ثلاث شهادات دكتوراه: في "النظريات الفلسفية والجمالية للموسيقى العربية-الإسلامية )القرن VII–(XIII" من جامعة السوربون باريس IV (1995)، ودكتوراه في "علم الاجتماع السياسي والثقافي" من جامعة السربون باريس V – ريني ديكارت (1998)، ودكتوراه في "الجغرافيا السياسية و الجماليات" من جامعة باريس - Iبانتيون السربون (2004). كما نال أيضًا شهادة "التأهيل الجامعي للإشراف على أطروحات الدكتوراه في العلوم و النظريات و جماليات الفنون" من جامعة باريس-فنسين (2001). فهوالأكاديمي الشهيرووزير الشؤون الثقافية للجمهورية التونسية (2016-2020). فبالإضافة إلى مسيرته  العلمية و المهنية و الفنية، فهو يشغل اليوم منصب رئيس قطاع الثقافة والاتصال في منظمة الإيسيسكو. وقد ركزت مسيرته المثمرة والمتنوعة على احترام الاختلافات الثقافية و تنوعها، كما كرس جهودا مبذولة لبناء الجسور بين الشرق والغرب، والدفاع عن قيم السلام.

يمكن قراءة الوثيقة التالية كفهرس منطقي لمؤلفاته الأخيرة، وبيان لمشروعه المعرفي المركزي الذي يقترح من خلاله إعادة التفكير في العلاقات الثقافية والحضارية بين الشرق و الغرب، بعيدا عن الواقع المقيت الجغرافي و السياسي الراهن، و تنزيلا للفكر التاريخي و الثقافي التأويلي لما تمثله المقاربة السردية من إبرازلإسهام الشرق من جهة، في نحت الحضارة الكونية، و الغرب كذلك، من جهة أخرى، بصورة متبادلة و متكاملة. و قد قامت بتصدير كتب محمد زين العابدين ومؤلفاته شخصيات أكاديمية بارزة مرتبطة بمؤسسات دولية مرموقة، تولت إبراز ثراء الموضوعات التي عالجها و تنوعها، في سياق غير مسبوق، ألهو الولوج الفكري و المخيالي  إلى ما يسميه " غيرالمفكر فيه"، ليوظف من منطلقه خيالاً وإبداعاً يسعى إلى تعزيز "الكونيات المتعددة"، وتثمين "الرمزي" و"العاطفي" و"الوجداني" كأسس نظرية و مفاهيمية لموضوع السؤال.

يضع محمد زين العابدين الفن والثقافة كأساس لطرحه  الفكري في بعديه الاجتماعي والجمعي. وفي هذا الصدد، تشير إليان شيرون: "يعود للفن أن يؤنسن السياسة ويحقق المصالحة بدلًا من السعي إلى تقويض الاختلافات وإثارة الفروقات". وبالفعل، فإن إعادة التفكير في العلاقات الدولية بين الشرق والغرب من منظور الفن والثقافة والدفاع عن الهويات المتعددة؛ والانخراط في التحذير من النماذج السائدة، لا سيما تلك التي روجت لها شخصيات مثل فرانسيس فوكوياما وصموئيل هنتنغتون، يثبت أهميته البالغة في مواجهة التهديدات المتعددة التي تجتاح العالم المعاصر. ويشكل هذا الجهد جزءًا من حوار حاسم حول الثقافات و من منطلقها، مدعومًا بنقد الهيمنة الغربية مع نقد للهويات الموغلة في الانغلاق، مهما كان مأتاها. في نهاية المطاف، أرى أن عمله بمثابة تكريم للإنسانية والفن والعلم والأدب والشعر، وكذلك لروح "التقاء" العالمين الشرقي والغربي من خلال الفنون والعلوم.

يدعونا محمد زين العابدين إلى التأمل المستمر في هويتنا وتاريخنا وقدرتنا على بناء عالم أكثر عدلاً وانسجاماً. كما يدعونا في أعماله المتعددة الأشكال والرؤى إلى استكشاف قدرة الفن والفكر على صياغة إنسانية متجددة، و التوفيق بين الموروثات البعيدة وابتكارات المستقبل  المشترك الآتي، القائم على التفاهم المتبادل والاحترام غير المشروط للآخر المختلف، لكل فرد و مجتمع، مهما اختلفت المرجعيات العرقية و الدينية و اللغوية...وتعددت.



اعتمادات الإطار : مجالس السربون

نشر: دار سوتيميدبا

سلسلة : فرضيات 

النص الأصلي باللغة الفرنسية: أ.د. محمد زين العابدين

الترجمة إلى اللغة البرتغالية: أ.د. سندرا ري الترجمة إلى اللغة الإسبانية: د. ليليان كنترارا الترجمة إلى اللغة الأنجليزية: د. دانيالا كارن الترجمة إلى اللغة الألمانية:  د.ادواردو سبيلر الترجمة إلى اللغة العربية: أ.د. محمد زين العابدين/ مراجعة الترجمة إلى اللغة العربية: أ.د. عبد الرحمن طنكول

ساندرا ري تعيش في بورتو أليجري، البرازيل

أ.د. ساندرا ري، أستاذة من الجامعة البرازيلية، بورتوأليقرو، ناقشت دكتوراه في الفنون وعلوم الفنون، جامعة باريس الأولى، بانتيون السوربون. أستاذة زائرة في برنامج الدكتوراه في الفنون البصرية في جامعة ريو غراندي دو سول الاتحادية. حاصل على كرسي الإيسيسكو - جامعة ريو غراندي دو سول الفيدرالية للفنون البصرية في "الفن والطبيعة، العمليات الهجينة". عضو في الرابطة الدولية لنقاد الفن (AICA) والرابطة البرازيلية لنقاد الفن.

يتجذر إنتاج ساندرا ري في العلاقة بين الفن والطبيعة والثقافة، ويشمل إنتاجها الفني مجموعة متنوعة من التقنيات والوسائط، حيث تنتج أعمالاً كبيرة الحجم، ورسومات وفيديوهات وأعمالاً تركيبية وكتباً فنية، بالإضافة إلى البعد الأدائي للكتابة القائمة على التحليل النقدي لعملياتها الإبداعية الخاصة بها وبفنانين آخرين، مع استكشاف البنى التاريخية والأيديولوجية للأزمنة المعاصرة. تعمل منذ عام 2004 على تطوير أبحاثها الفنية كباحثة في المجلس الوطني للتنمية العلمية والتكنولوجية في البرازيل (CNPq).




« في غير المفكر فيه »


_ محمد زين العابدين



لقد كانت السنوات القليلة الماضية مليئة بالإنجازات العلمية لمحمد زين العابدين. فبعد مغادرته منصبه كوزير للشؤون الثقافية في الجمهورية التونسية 2016-2020، أصدر أولاً مجموعة من سبعة كتب: "حوار ثلاثي فرانسيس فوكوياما ومحمد زين العابدين وصموئيل هنتنغتون"، عن دار سوتوميديا للنشر، 2000-2022، يستعيد فيها المؤلف أكثرمن ثلاثين عاماً من الحياة الفكرية والأكاديمية والفنية والسياسية. ثم نشر كتاب "تناظرات بين أندريه مالروو محمد زين العابدين"، عن دار سوتوميديا، 2023، وهو عبارة عن أطروحة حول السياسات الثقافية المقارنة. أما كتابه التاسع فهو بعنوان "التونسية بمعنى الكونيات المتعددة، La Tunisianité au pluriversel"، عن دار سوتوميديا، أبريل 2024، بينما كتابه العاشر جاء في شكل "تطارحات بين إدوارد سعيد ومحمد زين العابدين"، عن دار سوتوميديا، أبريل 2025.


نصوص ومحاضرات وعروض أقامها في جامعات السربون، وباريس فينسين، ومعهد العالم العربي في باريس، ودار ثقافات العالم في برلين، وجامعة يورك بتورنتو-كندا، وجامعة ديوك في كارولينا الشمالية في الولايات المتحدة الأمريكية، و جامعة جورج تاون بواشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية، وجامعة تايبيه بتايوان، وجامعات وهيئات ثقافية أخرى في إيطاليا ومالطا وروسيا وسويسرا وألمانيا وبلجيكا وكوريا الجنوبية والصين ومصر والأردن والمغرب والإمارات العربية المتحدة والسنغال وكوت ديفوار وغيرها. وقد قام بتصدير هذه المؤلفات ة تقديمها باحثون بارزون من بينهم فرانسواز برونيل، وفتحي التريكي، وإليان شيرون، و فرانسوا دي برونار، و بنجامين برو، و سناء غواتي، و جيرار بيلي، و عبد الرحمن طنكول، و بوعزة بن عاشير، و إديث ليكوارت.

هي في الحقيقة كتب و مؤلفات تترجم رحلات تاريخية منذ عام 1992، ومواقف حول ما يسميه "في غير المفكر فيه"، يجول حوله و من خلاله بحثا في المقاربات السوسيولوجية والسياسية والفلسفية والشعرية والإنشائية... أما الشكل الذي اختاره الكاتب الباحث فهو بعلاقة مع "التريفيوم أو الثالوث المعرفي"، ليجمع ثلاثية " في غير المفكرفيه" و"الفرضية" و"الرسالة"، كرافعات للبحث والإبداع في تخوم المعارف والفنون بين الشرق والغرب، لاعتباره أن المفكر أوالفنان يوظف خياله في فهم تجليات "الثقافة" التي يستلهم منها أفكاره، ليؤمن بالحلم المشترك "لكائن تعددي وجمعي" عساه يصبح ترجمانا لما يختزل من "رمزي" و"وجداني" و"مخيالي"و فكري وإبداعي. إن رده على أطروحات نهاية الإنسان ونهاية التاريخ وصراع الحضارات لهو روح التفكير في "غير المفكر فيه"، انطلاقا من الفرضيات (الفرضية باللاتينية المستعارة من اليونانية hupothesis) جانبًا للتحقق من الارتباط العاطفي بالتواصل الجمالي، كمكان للتقاطع والتكرار بين التضاد والانزلاق الحضاري. هذا "اللامفكر فيه"، أو الانطباع المحض، غير المحسوس وغير المفكر فيه، دون أن يكون عبثيًا، كلحظة إدراك، وفقًا لموريس ميرلو بونتي. طريقة معينة لإدراك "غيرالمفكرفيه " ليواجه ما هو غير مقبول ليؤول قابلا للتفكير، وفقًا لأندريه جيد. طريقة أخرى للعبورمع سانتياغو اسبينوزا، بين اللامعقول واللامفكر فيه، و الكينونة والظاهر، للمزج بين اللاعقلاني وغيرالمفكر فيه لفائدة "منطق" مختلف ومغاير و بعيدعن السائد. وهي الرحلة التي أخذت المؤلف إلى جامعات السربون المختلفة (جامعة السربون باريس الرابعة، وجامعة باريس ديكارت - السربون باريس الخامسة، وجامعة باريس الأولى - بانتيون السربون، وجامعة باريس فينسين- باريس 8)، حيث تجلت أبحاثه في الدكتوراه وما بعد الدكتوراه، ليتغذى من الكلمة، بين التعددية وتنوع التخصصات، و في سياق العلاقة الجدلية بين العالمين الشرقي والغربي.

إنه لا يفهم ردة فعل، بل موقف بعض المثقفين الغربيين من ثقافته الأصلية، وما تُتهم به. في مقابل ذلك، يقيم الكاتب "فرضيات" في "غيرالمفكرفيه" لتكون بمثابة حجة من أجل إنسانية أكثر أنسنة، بعد أن شوهتها العولمة من خلال تعمدها التجانس الثقافي والنمذجة، و كذلك الترويج لعالم مادي وسطحي يغيب فيه الفكر الثقافي النقدي بشتى الطرق. فالمسألة ليست رفض العولمة في مجملها، بقدر ما هي تغليب لحجج ناقدة و قراءة نسبية لها، بـما يؤهل الإنسان  لكي يصبح "كائنا إنسانيا" أقل قمعًا وهيمنة تجاه الآخر، وأكثر تفهمًا وتأويلا و فعلا إيجابيا في زمن بات غير مؤكد، يكتنفه الذهول و الأنانية و الجشع و التقاتل و الصراع و التباهي بالمكتسبات، خدمة للمصالح الضيقة، ولعل هذه ظواهرو وقائع تتزايد لتتفاقم يوما بعد يوم. لذا يجعل الكاتب من "المعرفة" و" الفكر والفنون و العلوم الإنسانية" القوى الدافعة وراء الالتزام الثابت بالتغيير. من ثمة تنزلت "مؤسسة لي مانديل آرتLe Mandelart " و"مجالس السربون Les Salons de la Sorbonne"، التي أطلقها محمد زين العابدين في عام 2012 لتكون ضمن طموح يتقاسمه معه أكاديميون وفنانون وباحثون من العالم، و هذه  بعض المقدمات التي كُتبت حول الكاتب و المؤلف.


كتبت إليان شيرون، الأستاذة المتميزة ومديرة مركز بحوث الفنون البصرية في جامعة باريس الأولى - السربون في مقدمة كتاب "L'Impensé politique": "الحقيقة التي وجب أن تقال، إن محمد زين العابدين، الذي شغل مؤخرًا منصب وزير الشؤون الثقافية في تونس، والذي أشادت به اليونسكوو بإنجازاته، وهو أيضًا المفكر و الفنان والمبدع الذي يطرح أسئلة في كتاب "L'Impensé Politique". فهو لا يتوانى عن طرح الأسئلة، ولا يتهاون أمام ما تفرضه،  بالرغم من مسؤولياته الرسمية وحجم العمل الذي يقوم به.... لا يمكن لمحمد زين العابدين، الفنان والباحث و الوزير، أن يكتفي بهذه الفجوة التي ينظر لها هنتنغتون رافعا راية "صدام الحضارات". ومن هنا تأتي الحاجة الملحة، من وجهة نظره ، إلى "محاولة فهم البعد التعددي للمجتمع الإنساني، من خلال تفضيل الأطروحات المشتركة بين المخيال والعاطفة والوجدان والمعارف الحسية. وهنا يكمن تجاوز التفكير التقليدي والعلوم القطعية". لأن الأمر متروك للثقافة وللفن لإضفاء الطابع الإنساني على السياسة، بدلاً من السعي إلى تعميق الخلافات وإحياء الضغائن".


في حين كتبت فرانسواز برونيل، المؤرخة ونائبة رئيس جامعة باريس 1 - السربون، في تقديمها لكتاب "L'Impensé sociologique" : "على خطى فينومينولوجيا ميرلو بونتي، المذكورة في المقدمة، يعتزم الأستاذ محمد زين العابدين، المفكر و الفنان والأكاديمي والوسيط الثقافي والشخصية الثقافية البارزة في المنصب السامي لوزير الثقافة في الجمهورية التونسية، الابتعاد عن النماذج الجامدة أحيانًا التي تهدد علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا والمؤرخين، واختيار الإشارات باعتبارها احتمالات كثيرة. غير أن الباحث "في غير المفكرفيه " يحيل إلى عقلانية "التنوير" في العنوان الفرعي "روح القانون"، ومن خلال مونتسكيو الذي تجاهل ابن خلدون، ليعيد اكتشاف الروح الموسوعية التي قيل إنها إحدى ممهدات "تنوير" الإسلام: يقول مونتسكيو إن القوانين "في أوسع معانيها، هي العلاقات الضرورية المستمدة من طبيعة الأشياء" (De l’Esprit des lois، 1، 1). ولئن كانت الرسائل التسع في هذا الكتاب المكرسة "لإصلاح وضع المرأة في تونس في القرن 20ا" موجهة إلى المجتمع التونسي، فإنها لا يمكن أن تترك المجتمعات الأخرى غير مبالية بالأمر، اذ في الوقت نفسه هي تتأثر بالماضي المشترك الطويل، من حيث بنيتها الاجتماعية والثقافية.... "


وقد سعى الفيلسوف فتحي التريكي، صاحب كرسي اليونسكو للفلسفة في العالم العربي، إلى وضع كتاب "L’Imbroglio des cultures" في سياقه: "تحيةً كبرى لأهمية كتاب محمد زين العابدين، وعلى سبيل التمهيد، أود أن أساهم في هذا التأمل الجميل في مسألة سوء فهم "انتقال" الفنون والآداب إلى الغرب عبر قناة الحضارة العربية، والتي يحاول بعض المثقفين والمؤرخين الغربيين عبثاً إنكارها.  والواقع أن هذا السؤال يتعلق بكل مجالات الفكر، ولهذا يقول محمد زين العابدين إن مشروعه في نهاية المطاف هو "إعادة التفكير في الآداب والفنون من خلال "اللا مفكرفيه" الفلسفي والنظري، من أجل مقاربة الإرث اليوناني العربي وتأثيره في التاريخ". ويعني بـ"اللامفكر فيه" هنا الحدسً القويً لاستبدال الهوية الثابتة بهذه الفئة الأكثر دينامية، وهي التي تفضي إلى التغيير والتكيف والإبداع. تتمثل مساهمتي في هذا التحليل الممتاز، في هذا "التأويل" الصعب وغير الحاسم دائمًا، بما أن الإشكالية لا تزال مفتوحة، في تسليط الضوء على ثلاث نقاط عقدية: الأولى والأهم تسلط الضوء على إدخال اللامفكرفيه الفلسفي في الغرب؛ والثانية تقترح طريقة لتعريف مفهوم الغرب؛ والثالثة تتعلق بمفهوم التداخل بين الثقافات".


في حين كتب البروفيسور فرانسوا دو برنار، الكاتب والفيلسوف، رئيس مجموعة الدراسات والأبحاث حول العولمات بباريس (Groupe d'Etudes et de Recherche sur les Mondialisations)، في هذا المقتطف من مقدمة كتاب "L’Impensé poïétique": "إن هذا الكتاب لمحمد زين العابدين تحدٍ هائل للتفكير، رغم كل شيء (الخلافات الفلسفية، والجدل التاريخي، والتناقضات السياسية، والنماذج الأكاديمية، والحواجز الاقتصادية والتخصصية)، يطرح التفكير في العلاقة بالعمل الفني، ولا سيما هذا التنوع الثقافي الذي أصبح مرة أخرى، بعد نفق لا نهاية له، سهوًا موصوفًا، واختزالًا مثيرًا للشفقة، وتهميشًا رمزيًا: الهدف الذي عاد مرة أخرى مشتركًا على نطاق واسع في المجتمع الدولي، والموجه المفترض للسلام الدائم، والبارز جدًا لدرجة أنه أعيد التأكيد عليه رسميًا كموضوع لا يمكن تجاوزه كحق من حقوق الإنسان غير القابلة للتصرف. إنه أيضًا تحدٍ هائل أن نربط مسألة المصير بمسألة الإنشائية، في وقت تحثنا فيه أكثرالعناوين الإدارية والسياسية تشويشًا على التركيز حصريًا على الممارسات الثقافية ونشرها و"سهولة الوصول إليها"، على حساب أي تفكير في معنى هذه الممارسات ومستقبلها أو حتى في مصيرها ذاته! من ثمة، يمكن أن يؤكد المفكر الكاتب محمد زين العابدين عن قناعة وبكل وضوح: "يبدو لي أن الفنان-المفكر في الواقع هو من يفكر في غير المفكر فيه سابقا، يعطي معنى ولا معنى للفراغ والصمت والعزلة والإسقاط والتوقع الذي يحاول إعادة نشره والذي يتمكن من إعادة تشكيل أنساقه وعناصره ليجعل من الغياب حضورًا و لغة مستعارة... ".


في حين تكتب الأستاذة سناء غواتي، رئيس تنسيقية الباحثين في الآداب المغاربية والمقارنة، جامعة ابن طفيل، في مقدمة كتاب " Socialité et Zeitgeist, la fin d’une épistémè  " : " يعيد محمد زين العابدين النظر في المفاهيم الكبرى لحداثتنا من خلال الإمساك بمفاهيمها العمياء وكشف مناطقها الغامضة. إنه تأمل معرفي في أسئلة تتعلق بالتحول من السوسيولوجيا إلى علم الاجتماع المخيالي، من الحداثة إلى ما بعد الحداثة، بهدف إدراك معنى التاريخ والدخول في لغط جديد، حيث نجد صعوبة في تسمية الأشياء، بتفكك اللغة التي أصبحت مبهمة لأن الأشياء ذاتها التي كانت تسميها لم تعد موجودة. وحسب المقولة: "إن تسمية الأشياء بشكل خاطئ يضيف إلى مصيبة العالم". ثم إن غياب المعنى يشير إلى الاهتزاز داخل الكلمة الذي يجعل المؤسسة الرمزية تهتز، ويضعها في صدى عميق مع التجربة المعيشة. ألم يتنبأ جان بودريار بتصفية جميع الأطر المرجعية في كتابه شديد الأهمية. لقد أدى التقدم غير المعقول وغير المسبوق للذكاء الاصطناعي، بكل أشكاله، إلى إزاحة الواقعي لصالح عالم افتراضي يحل فيه مجتمع متخيل محل المجتمع الحقيقي، والذي غالبًا ما يكون كئيبًا للغاية لأنه واقعي للغاية.....في مواجهة هذا الاختفاء وانحطاط النظام العقيم، يرى محمد زين العابدين أن اللحظة التي تبقى إنسانية ما دامت هناك عيون تغذيها وكلمات تهزها وخيال يعيد ابتكار الكون اللامتناهي: يبقى الفن والثقافة الشكل الوحيد للبقاء على قيد الحياة والتواصل الاجتماعي الذي يتنبه إلى الابتكارات الممكنة من مكان آخر. ما عدا ذلك فهو يدعو إلى طريقة تفكير بعيدة كل البعد عن التفكير الذاتي الراسخ والتفكير الجاهز الحديث، أي باختصار طريقة تفكير قادرة على توليد "اللا مفكرفيه " والارتقاء بالحياة الإنسانية في مجتمع لم يفسد بعد... يمكنني القول أن محمد زين العابدين الباحث، الأكاديمي الشهير، "الباحث" بالتعبير الويبيري، عالم الاجتماع، المدرّس، وعالم الموسيقى والرسام... هو في نفس القدر من الأهمية والإضاءة والنورانية والصفاء والإشعاع الذي هو عليه السياسي والوزير ورجل العمل والإدارة! "


أما بنجامين برو، الأستاذ في جامعة باريس الأولى - السربون، فقد كتب في مقدمة كتاب Thébaïde: "هو رحلة وترحال وتراسل للأفكار والآداب والفنون. رحلة الحواس والفنون والمعرفة في حياتنا القصيرة والواقعية والممتلئة. إنه يوفر فرصة للتأمل في الكينونة وممراتها ومكانها وحالتها الذهنية كجهاز إبداعي. يوفر الكتاب نقاط ارتكاز ومعايير للفكر الشعري الأفريقي. و يسلط الضوء على اللحظات الأساسية للحضور الأفريقي في الإبداع الأدبي واستيعاب تاريخه. ليس هناك شك في أن هذا الكتاب من نصوص أو أفكار موضوعة معًا يعد عملا و فكرا مركبا لا يمكن اختزاله في علم أو فلسفة، بل يتجلى في فكر يسمح بالتواصل من خلال تشغيل حلقات ذاتية الإنتاج بالمعنى الذي يقصده إدغار موران. وبعيدًا عن كونها παράπονονο، فإن كتاب محمد زين العابدين قصيد ونشيد أمل لأفريقيا. إنها صرخة أمل للفنون والثقافة من أجل أفريقيا ".


في حين يقول جيرار بيليه، الأستاذ المتميزفي جامعة باريس الأولى - السربون، في كتابه "Coruscation de Goethe": "في تجميعه لأعماله حول "حواره الثلاثي" مع فرانسيس فوكوياما وصموئيل هانتينغتون، يقدم لنا محمد زين العابدين عملاً بعنوان "L'Impensé au présent". وتجدر الإشارة منذ البداية إلى أنه لا يدّعي تقديم "غير المفكّر فيه" كما لو كان يمتلك الحقيقة، بل يكتفي بتقديم قراءة تستند إلى تجربته منذ دراسته الجامعية بباريس إلى مسؤولياته الحالية في الإيسيسكو، بما في ذلك التدريس وإدارة البحوث ومسؤوليته في منصب وزير الشؤون الثقافية في تونس. وتتميز هذه التجربة بـ"شرارة ساطعة"، عابرة ولكنها متجددة باستمرار، تتشكل من توهج فكره الذي يتلامس مع ثقافات مختلف البلدان التي تعاون معها في مناسبات عديدة. وثانيًا، كان هذا الاحتكاك بالثقافات المختلفة هو الذي قاده إلى دراسة أطروحات فرانسيس فوكوياما وصموئيل هنتنغتون، اللذين لا ينبغي أن نخدع بفكرة تعارضهما الظاهري، بل نذهب لنقر باتفاقهما العميق فيما يتعلق بالكمال المفترض لـ"الديمقراطية الليبرالية" في نسختها الغربية. و الحال أن كل من فرانسيس فوكوياما وصموئيل هنتنغتون دعما مغامرات أمتيهما الحربية، ونتيجة لذلك، تصور كل منهما بطريقته الخاصة يوتوبيا "السلام العالمي" الذي سيكون نتيجته  ما آل اليه العالم من تنازع و حروب و دمار....  "



 

« في غير المفكر فيه، الممكن والمحتمل »


_ محمد زين العابدين

 


في تقديمه لكتاب "تناظرات بين أندريه مالرو ومحمد زين العابدين"، وهو الكتاب الثامن لصاحبه ضمن مجالس السربون و "سلسلة فرضيات"، عن دار سوتيميديا للنشر، كتب الأستاذ عبد الرحمن طنكول، الأكاديمي البارز ورئيس جامعة بن طفيل سابقا : "عند قراءة أعمال محمد زين العابدين لا يسع المرء إلا أن يعتقد أنه يرسخ نفسه بشكل لا جدال فيه كأحد أهم مفكري عصرنا. فمنذ عدة سنوات وهوملتزم بشغف بمشروع إعادة قراءة متعمقة، متتبعًا الجوانب المسكوت عنها في الفكر الغربي، وما لا يمكن التفكير فيه، وما فيه من مسكوت عنه ومن تناقضات. هذا المشروع المبتكر وبعيد المدى يذهب أبعد مما اقترحه بعض المفكرين العرب المعروفين عالميًا مثل محمد أركون وعبد الكبير الخطيبي وإدوارد سعيد وعبد الوهاب المؤدب. فمن ناحية، يهدف إلى تسليط الضوء على حدود عدد معين من التيارات الفكرية والمعرفية التي اعتبرت (في ضوء بعض الشخصيات التي تجسدها) لا غنى عنها لمقاربة واقع عصرنا. ومن ناحية أخرى، فهو ينطلق ليمهد الطريق لنوع مختلف من التفكير  الذي يتطلع إلى المستقبل حاملا بعض الأمل فيه. وهو يفعل ذلك بصرامة وسعة اطلاع وحس نقدي مؤثر، رافضًا أي ولاء لأي رأي مطلق ما. وبدلاً من ذلك، يركز على البحث عن تآزر مثمر بين الفلسفة والفن والخيال والفكر والثقافة. ويبدو لنا، ربما من دون أن ندرك ذلك، أن عمله يُحدث تغييرًا غير مسبوق في الآليات المعرفية والاستدلالية في العلوم الإنسانية والاجتماعية. نحن مدينون له بالتأكيد، بفضل هذا التوسيع في نماذج تحليل المعرفة، بتصور أوضح للمشكلات التي تواجه البشرية في القرن الحادي والعشرين. كما أنه أعطانا أيضًا فهمًا أكثر دقة وملاءمة لمسؤولياتنا والمبادرات التي يجب أن نتخذها لإرساء قيم جديدة من شأنها أن تولد العديد من المساهمات المثرية للقضايا المجتمعية بشكل عام، وعلاقتها بالعالم".

 يتناول كتاب "تناظرات بين أندريه مالروو محمد زين العابدين" قضية الثقافة والسياسات الثقافية المقارنة، بهدف تأويل النظريات المفاهيمية ذات الصلة القابلة للتحقق على أرض الواقع من حيث الظواهر والإنجازات. فالثقافة تُختبرميدانيا، ولكن لا يتم التفكير فيها إلا قليلاً، على الرغم من أنها متمثلة بقوة في الذهنيات الفردية و الجمعية، وهذا ما يثير عدداً من الأسئلة حول ماهيتها وطريقة حدوثها وتكرارها، وحول المعاني التي يجب تقديمها والصفات التي يجب إعطاؤها لها في حدود المعاني و التمثلاث التي تحمل. إن الهدف من هذا الكتاب إذن، هو مقاربة التمييز الممكن حصوله بين "دولة الثقافة وثقافة الدولة"، ومبررات القرار، ودوافع الفعل، من أجل إثارة وعي معين بالرهانات والقضايا المشار إليها، في البعد المزدوج و الشمولي للواقع الثقافي، و الدوافع الخاصة بالأبعاد الفكرية والإنسانية والسياسية المقارنة المتعلقة به. و لعل روح المشروع الثقافي المطروح أنه يحاول التوفيق بين ما هو علمي وما هو عملي و ما هو تحليلي. فلماذا أندريه مالرو؟  و لماذا هذه "التناظرات حول الثقافة"؟


يقول محمد زين العابدين:

"لن أسهب هنا في الحديث عن اختيار أندريه مالرو، مؤلف كتاب "La Voie royale" عام 1930 والحائز على Prix Goncourt الشهيرعام 1933 عن كتابه "La Condition humaine"، والمسار المذهل لهذا المفكر الذي تجلت أطروحاته في "Le Musée imaginaire"… وقبل ذلك، كان قد قضى فترة طويلة كمديرعلمي ومدير أدبي  لعديد دور النشر المرموقة. كما كان صديقاً لجان كوكتو وبول موران وغيرهما، و قام بنشر أعمال شارل بودلير الشاعر الرمزي الكبير ومؤلف كتاب "Les fleurs du mal"، كما أشرف على نشر المدونة الأدبية لصاحبها فرانسوا مورياك وأندريه جيد. وهو رجل آداب وفنون قضى وقتاً طويلاً على اتصال وثيق بالمبدعين، بصفته مديراً فنياً في دار غاليمار، ومسؤولاً عن النشر والمعارض الخاصة بفنون الشرق الأقصى والفن المعاصر.... أحدثت وزارة الشؤون الثقافية الفرنسية معه.... أندريه مالرو، و أراد من خلالها صياغة تعريف جديد للثقافة الفرنسية والسياسات الثقافية المتصلة بها. و لعل اختياره هنا جاء من باب النهج المقارن بين النظريات والممارسات الثقافية في عالم الأفكار والوقائع. على مستوى أكثر سياقية، يتناول هذا العمل أيضًا جزءًا من درس "مسائل السياسات الثقافية واستراتيجيات التنمية" الذي كان لي شرف تدريسه في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة تونس (9 أفريل)، لطلبة "الماجستير في علوم التراث"، من 2006 إلى 2016 مع الأساتذة راضي دغفوس وعبد الحميد فنينة وحسن العنابي وخميس طعم الله. و الحال أنه لا يمكن لكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس إلا أن تفخر بكونها واحدة من أعرق الكليات في فئتها العلمية و في العالم العربي والإفريقي. فقد تأسّست سنة 1958، وهي وريثة مدرسة الدراسات العليا سنة 1945، ولا يزال أساتذة تونسيون لامعون يضيفون إلى مجدها مجداً متجددا و ألقا بعد أن كان قد درس يها أعلام مثل فرانتز فانون Frantz Fanon، المفكر المارتينيكي وأحد مؤسسي حركة العالم الثالث والفكر المناهض للاستعمار، من 1959 إلى 1960، بينما درّس فيها ميشال فوكو Michel Foucault من 1966 إلى 1968. والعلوم أنه كان قد كتب في سيدي بوسعيد مؤلفه الشهير "L'archéologie du savoir". وبحسب محمد زين العابدين، فإن هذا العمل يستدعي القراءة والتأويل الضروريين للتغيرات والتحولات التي حدثت منذ ذلك الحين، حيث كان منذ عام 1986على اتصال وثيق بالفكر والأدب والفنون، كما تمثلها ثقافة تونس في صلتها بتاريخ البشرية و دول العالم. وهذا ما سيناقشه على مستويات مختلفة من الفعل. ولا يخلو الأمر من الإشارة إلى المجال الثقافي اللاحق، بالمعنى الذي يحمله المفهوم، بالعود إلى الأنثروبولوجيا الثقافية، والإشارة إلى السند الجغرافي والبعد التاريخي و الزمني، إذ من الثابت أن صرامة التاريخ تقتضي منا عدم التهرب من أي عنصر من العناصر المكونة لـ "إبستيمية" نحن بصدد مساءلة واقعها ومنجزاتها. مع ذلك كله، ليس لدي أي ادعاء بأن ما أكتب سيصبح حجة تاريخية، لكنني أزعم أنني أحمل إليه تأملاتي وتجربتي الخاصة الجديرة بالاهتمام، في مفترق طرق النماذج الوطنية والاجتماعية والسياسية التي هي مفارقة تاريخية و مقاربة دولية مقارنة. هذا ما يجعل الأمر حادًا للغاية. وحده النهج المقارن للسياسات الثقافية، العامة والخاصة على حد سواء، سيوفر صورة أوضح للقضايا المطروحة.... " 

 

كتبت مجددا فرانسواز برونيل، المؤرخة ونائبة رئيس جامعة باريس 1 - بانثيون – السربون، لتقديم المدونة وكتاب التونسية بمعنى الهويات المتعددة : "كفنان ومفكر، لا يخجل محمد زين العابدين من مجالات التفكير المعقدة، ولا يخشى العمل باسم "ريس بابليكا" التي يتمسك بقيمها الإنسانية إلى أعلى درجة. في حين يقول الفيلسوف فتحي التريكي، صاحب كرسي اليونسكو للفلسفة: "يتأمل محمد زين العابدين في هذا الكتاب في هوية التونسي. وهو يدين بقوة رد الفعل الذي سعى إلى اختزال هذه الهوية في تعبير واحد ثابت. بالنسبة إليه، الهوية التونسية هي تلك الرغبة في التجاوز...". من الواضح أن محمد زين العابدين قد اتخذ موقفًا حازمًا في السنوات الأخيرة، والتزم فكريًا في جميع أنحاء العالم بالمطارحة لصالح فهم جديد للثقافة، في قلب تأويل قادر على إعادة التفكير في العالم. وهذا يشمل تونسية تعددية، على عكس الكونية المجردة في الغرب، التي تتمحور حول الثقافة والأصل والجنس، وتمييزها من أجل خلق انقسامات وتأليب الشرق على الغرب. فالتونسية بصيغة الجمع، بالنسبة له، تلخّص توليفة عالم لا يتشابه كثيرًا بل يتكامل ضرورة، لأنه يتطور باستمرار. لذلك يضع الكاتب مسؤولية كبيرة على عاتق الباحثين والمثقفين والفنانين التونسيين لبناء عالم أكثر انفتاحًا على الاستيعاب المتبادل، دون أي تراتبية قيمية أو إقصاء. كل ما علينا فعله هو (إعادة) قراءة التاريخ وتدوينه. ويلجأ إلى كتاب "الكينونة والزمن" لمارتن هايدغر الذي سبق أن طرح مسألة الوجود في العالم. عالم يحمل معنىً كافياً للإنسان ليجعل منه تحديداً وإسقاطاً وتطلعاً خاصاً به. ويذهب إلى حد القول: "أن تصير من أنت! هكذا تحدث نيتشه". من المفترض أن يكون محمد زين العابدين قد أخذ هذا الاقتران مواجهاً الحتمية السقراطية "اعرف نفسك بنفسك"، ولكن ليس من دون أن نعلم "ما نحن" و"من نحن". ولكن عندما تتم الإشارة إلى الخصوصية والفردية، فإن المسارات التاريخية والجغرافية ستعطي معنى وسببًا وأصالة للروح نفسها. إنّها هوية تونسية يقصد بها أن تكون غير قابلة للاختزال، غير قابلة للتبسيط، غير ثابتة، في طور تاريخ مشترك، بل ومركب بين الشرق والغرب. ما ينبثق عن ذلك هوهوية تونسية غير محصورة، متحرّكة باستمرار، متجدّدة دائمًا بقوة المخيلة الإبداعية. في مقابل مصطلح بول ريكور "Mêmeté, ipséité"، فهو يعود إلى تونسية ديناميكية ومتعددة مكونة من "تقارب" و"تلاقح". في المقبل،  يلاحظ أنه و لسوء الحظ، عندما يتعلق الأمر بتصور ثقافات أخرى غير ثقافته، يميل الغرب إلى استحضارأقلها تمثيلا و وجاهةً، على خلفية الذرائع الاستعمارية المتتالية، وكل أشكال المحافظة الدينية والهوياتية التي يقوم عليها في الغالب. وبعيدًا عن ذلك، يستنكر محمد زين العابدين هذه النظرة الاختزالية ليدافع عن الروح التاريخية القادرة على الارتداد ضد التبعية الثقافية، لكنه في الوقت نفسه يشير إلى ضرورة أن يجتهد المثقفون التونسيون ويجعلوا الهوية التونسية أكثر انفتاحًا وتواصلا و أثرا و تأثيرا من حولهم.

 

في حين ذهب الأستاذ بوعزّة بن عاشير، صاحب دكتوراه الدولة في الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة باريس 1 - بانثيون السوربون: "تفترض قراءة هذا المؤلَّف للأديب والمفكر التونسي محمد زين العابدين من خلال مقدمته ورسائله السبع وما بعدها، تفكيك الغطاء الذي يخيم على العلوم الإنسانية والاجتماعية، وإحداث اختراق في الأحكام المسبقة التي يروجها هذا الغطاء من أجل الوصول إلى حضور فكرجديد يغلب ما هو "غيرمفكر فيه"، أو غير قابل للتجزئة، خاصة من زوايا هذه العلوم، في النسخة المغاربية أو العربية أو الإسلامية، وذلك بالحديث عنها بطرق مختلفة فلسفيًا وجماليًا واجتماعيًا وسياسيًا. يقدم هذا الكتاب وجهة نظر أوسع مما هو سائد حاليًا، لأنه يفتح الباب أمام ممارسات معرفية قائمة على جيوسياسية معرفية خلاقة للمعرفة ومتحررة من ثقل الآفاق المعرفية المسدودة أو المستوردة. إحدى طرق محمد زين العابدين في الحديث عن هذا الأمر هو "التونسية" التي يتم التفكير فيها واختبارها "كروح" أو "روح عصر" أو "حضور في العالم"، أو ما إلى ذلك، ليتم التفكيرفيها لا كمكان أو زمان، بل كرمزية وجدانية... طروحات و فرضيات تنأى عن الفكر المهتم بالأنثروبولوجيا الفلسفية أو نظرية المعرفة "الديكولونيالية" أو الجماليات أو الأخلاقيات السياسية، فمحمد زين العابدين يحركها على أساس فكر شمولي متحول المعنى و المبنى و التعبير و الإدراك". وللاشارة، فقد تم تحليل أعمال الكاتب و الباحث محمد زين العابدين و مؤلفاته، والإشادة بها في العديد من الجامعات في أنحاء العالم لجرأتها وصدقها وصداها الفريد. والكتاب الحالي ليس استثناءً عن روح سابقيه، فهو تعبير عن فكر معقد، بل متاهات فكرية معقدة، وأحيانًا مشوشة ومتشابكة في مسار الثقافة التي هي في صلبها، بهدف تحليل تأويلي للسياقات الجيوسياسية والاجتماعية والشعرية والجمالية والفلسفية المتاخمة. ففي تقديره، يجب ألا ينسى الغرب أبدًا أن التونسية تركت بصماتها في التاريخ العالمي، منذ جمهورية قرطاج وقرطاجنة، و فلاسفتها التي قدمتها للعالم.

في حين يطارح الكتاب العاشر والأخير بالنسبة للمجموعتين "تناظرات بين إدوارد سعيد ومحمد زين العابدين" ليطارد فكرا تواصل على مدى أكثر من ثلاثين عاماً من الفن والعلم والبحث العلمي و الإبداع. مجموعتان من كتب "فرضيات"، تتخللهما "حوار ثلاثي بين فرانسيس فوكوياما ومحمد زين العابدين وصموئيل هنتنغتون"، التي تستشرف المستقبل بالفعل، وتتناول في الأعمال السبعة المعروضة فكرا في "غير المفكر فيه"  مواكبة لسياق الأزمنة الفلسفية والسوسيولوجية والشعرية و الجمالية و الانشائية، من أجل مساءلة ما يعسر فهمه و ادراك ما يتخفى من معاني، بين الغرب والشرق، وبشكل أعم، بحثا في العلاقة التاريخية والحضارية على حد سواء. كيف يمكننا أن نبني جسراً بينهماً، علماً و أن هناك من القناعات الراسخة ما لا يمكن أن نحمل أنفسنا على تجاهلها أو تغييرها.

 كتاب "تناظرات بين ادوارد سعيد و محمد زين العابدين "هو الثالث في سلسلة "حوار ثلاثي بين أندريه مالروو محمد زين العابدين و إدوارد سعيد"، أهداه الكاتب إلى جينفييف كلانسي Geneviève Clancy ومانفريد كيلكلManfred Kelkel  يقول فيه الكاتب: " أما "جينيفيف كلانسي، فهي فيلسوفة وشاعرة فرنسية، وهي تلميذة جيل دولوز، وقد سعدت بالعمل معها وتقدير أعمالها التي تنير بسعة اطلاع لامعة ونزعة إنسانية، في تقدير محمد زين العابدين. كما تراسلت مع مانفريد كيلكل حول موضوع الوساطة وجسر التلاقي بين عالم الأفكار وعالم الإحساس. كان مانفريد كيلكل تلميذًا لداريوس ميلو ومعجبًا ببيرليوز، وشغوفًا بالحضارات الشرقية والثقافة العربية، ومؤرخًا ومؤلفًا موسيقيًا ألمانيًا شهيرًا. وقد لعب دورًا رئيسيًا في ظهور جيل من الأكاديميين والباحثين التونسيين و المشرقيين خريجي جامعة السربون. ترأست جينيفيف كلانسي من جانبها مركز البحوث و الدراسات حول فنون الإسلام في جامعة باريس-فينسين. وكلاهما جسدا ببساطة الانفتاح والذكاء والطيبة والفضول حول ثقافات العالم، دون تحيز أو توجس مسبق. إنهما يذكرانني بالكتّاب والفنانين والأكاديميين والمثقفين الذين بذلوا الكثير من الجهد للترويج لشرق وغرب متصالحين، يحترمون بعضهم بعضًا، وبنّاءين بشكل مثير للإعجاب، ومسالمين بشكل ملحوظ. و لعل من بين هؤلاء رينيه باسيرون، وإيفلين أندرياني، وإليان شيرون، وكوستين ميريانو، وجاك شايي، وإديث ليكور، وكارولين موريكو، وفرانسواز برونيل، وفرانسوا دي برنار، وجيرار بيليه، وريتشارد كونت، وجان بول أوليف، وجان إيف بوسور، وجان مارك شوفيل, و إيفون فلور، وسيرج غوت، وإيديت ويبر، ودانييل بيستون، ونيكولا ميوس، ولويس جامبو، وجويل هويون، وسيلفي بويسو، وجان دوريغن، ولوديفين أليج، وجان بول مينفييل، وجان كلود شابريي، وجان جاك فيلي، وكزافي هاشير، وغيرهم الكثير... هذا الكتاب هو إشادة بسعة اطلاعهم وتواضعهم وصداقتهم على مدى عقود من الزمن، ربطتنا خلالها صداقة حقيقية معاً، والأهم من ذلك المصير المشترك في الفن والعلوم  الإنسانيات. ولا شكّ في أن هذا الكتاب هو بمثابة اعتراف بالتزامهما بعالم من الخيال المتعدد واللامعقول. وكثيراً ما أسرتني قدرتهم على الإصغاء والعمل معاً والاهتمام بالتفاصيل، وذكّرني هذا الكتاب بالأعمال التنويرية للعديد من المستشرقين الجادين الآخرين الذين تركوا بصماتهم على الاستشراق نفسه، من أعمال ألكسندر كريستيانويتش وجول روانيه وغيوتان دلفين وغين.... يتناول هذا الكتاب الفرضيات التي أحرص على (إعادة) التحقق منها، والتي سبق أن تم التأكيد عليها في الفلسفة وعلم الاجتماع والشعر والجغرافيا السياسية وغيرها. لكن بالنسبة لهذا العمل، فإن المتخيل الجمالي هو الذي يسكنني وأودّ أن أستنطقه من خلال الأصوات المتجانسة والأزمنة الشعرية، كل المكونات مجتمعة، بحثًا عن شرق كامن ومدفون، بل ومتعالٍ ومتسامٍ. منذ البداية، يبدو من البديهي أن المقاربة العابرة للتخصصات يجب أن تتولى مصير هذه الكتابات، في تجلياتها التأويلية والنموذجية، التي ستصوغ الأداة وتوجه المعنى وتبلور الرمز. ومن خلال إعادة النظر في هذا السؤال المتكرر الدائم: "من أنا"، لم يعد من المجدي إعادة البحث في هذه القصور القليلة التي لا تنفصل عن هذه القصور، وإلاّ فإنّه لم يعد من المجدي إعادة البحث في هذه القصور القليلة التي لا تنفصل عن الشرق ، وإن كان هذا النهج المعتمد لا يعاني من التناقض الحتمي بين السياقات التاريخية والعناصر المركبة في لغاتها. "فمن أنا إذن وما الذي يعرّفني؟ أو ينبغي أن أعرّف نفسي، أنا الذي تعلّمتُ الجمع بين النقيضين، وإضفاء التماسك على غير المحتمل، وإيجاد المعنى في اللبس. أنا تونسي كما أنا، أجدادي هم القرطاجيون، وإفريقيا الرومانية في إفريقيا الرومانية في حرب، والبقايا الأثرية شاهدة على هذه المدينة العظيمة التي أصبحت عاصمة الغرب الإسلامي في القرن السابع، في القيروان على وجه الخصوص، ثم المهدية عاصمة الفاطميين في القرن العاشر, وتونس، عاصمة الحفصيين، منذ القرن الثالث عشر وما بعده، دون أن ننسى كل التكتلات التي مرت بها هذه الأرض، الشرقية والغربية على السواء، منذ القرن السادس عشر حتى الحماية الفرنسية سنة 1881 و ما تلا من دولة الاستقلال و بناء تونس من قبل التونسيين أنفسهم دون وصاية. وانطلاقاً من هذا السؤال الدائم الذي ينتابني، ما الذي يحدد هوية أوشخصية ثقافية لفرد أو بلد، إن لم يكن التاريخ. فالعروبة بالنسبة للبعض، والإسلام بالنسبة للبعض الآخر، والشرق التاريخي والتعددي، تلك حقائق و وقائع و ظواهرنسبية مليئة بالتباين والاختلاف. كما أن الأسئلة مدى الأزمان فهي لتعكس أيضا مسار التاريخ الذي أظهرها وأخفاها، حملها وتركها، كما تعكس الإشكالية الكامنة في الهوية المتحولة، أي أن مرجعيتها إلى اللغات أو الأديان تجعل منها شخصيات قابلة للتغيير والتبدل باستمرار، وليست هويات ثابتة. إنها أسئلة تطرحها وتفرضها تقلبات الأزمنة التاريخية، بين الظهور و التطور ثم الاضمحلال. فالعروبة والإسلام والشرق التعددي في مواجهة التغريب، هي نماذج موجودة بالفعل، في نظر من يمثلونها على طريقتهم، في ظل عدم اطلاع كافي حقيقي أو مفترض باللغة الأصلية، بمعانيها الملتبسة والمضللة، التي تود أن تلصق أسماء أو شعارات أو مزايدات توغل عالمنا من المنظور الغربي في الظلامية، والتطرف، والتعصب، والماضوية، بأن بعض الشرق غير قادرعلى احتضان عالم الغرب المتطور، عاجز عن إدراك الحداثة و ما بعد الحداثة، على نحو لا رجعة فيه. ليس في نيتي هنا أن أخفي هذه الحقائق، التي يمكن التحقق منها من وقت لآخر، أو المبالغة في العلم بها، على مسار تاريخ في اتجاه معاكس، بقدر ما هو مبرر، نسبياً أو جزئياً. و من هذا المنطلق، لعل الهدف من هذا الكتاب هو البحث في بدائل مختلفة، وترك صدى المعرفة الموسوعية للشرق والمستشرقين، في مصدر التقاء وتفاعل بين الإستشراق والغرب، على الرغم من المفاضلة التي كثيراً ما ميزت فهم هذين العالمين من زوايا الاختزال الجغرافي والسياسي. وفي الوقت نفسه، يا له من تحدٍّ صعب ومحفوف بالمخاطر، أن نرغب في فكّ التشابك بينهما، كونهما متعارضين في كثير من الأحيان، وأن نختار في سبيل ذلك أن نعمق النظر و الفهم في الآداب والفنون الشرقية، من وجهة نظر استشراقية، لنستعيد منها شيئا من معاني الوجود! وهكذا فإن هذا الكتاب، الذي يتناول الاستشراق والشرق عموماً، من وجهة نظر تاريخية، يختار أن يذهب إلى مفترق طرق الصمت المدفون في حروف فلسفة تحليلية مولعة باللامفكر فيه. وكمقياس لذلك مقياس الجمع و التأليف المقارن بين الشرق والغرب، تحت رايته الخيالية والرمزية، منذ ذلك الحين. غير أن هذا الكتاب ليس أقل أو أكثر من محاولة للرد على الوقائع التاريخية المشار إليها، بما في ذلك الطريقة التي نظر بها المستشرقون إليها، من أجل مواجهة التناقضات الظالمة فيها، فيما يتعلق بممارسة الفنون وغلبة أسسها النظرية والمفاهيمية. ومهما حاولنا أن نميل إلى أن نضل الطريق، فإنه لا مفر من أن نكون أمام تحدٍ استثنائي يتمثل في اكتشاف ما يحاول البعض وصفه بالرجعية في هذه الثقافة العريقة المشرقية، في حين أن الدراسات والأبحاث قد قاربتها من منابع موسوعية متعددة التخصصات نادرة المضمون والجمال، في جوهرها النصي و النفسي والفلسفي. وفي متاهاتها التاريخية وتداخلاتها وتقاطعاتها المتشعبة، ثمة ما يدعو إلى أن نجد في مفهوم μουσική [موسيكه] اليوناني هذا صلة مع λογoς، واللوغوس، والعقل، والمعرفة، قبل العالم القديم وفيثاغورس، ومن ثمة مفهوم المتعة وصولا إلى المثل الأعلى التربوي، والأساطير حول القيثارة والناي، ولو جزئياً، بعض عناصر المقاربة حول شرق خيالي واستشراقي. وفي هذا الصدد، هناك سبب وجيه لتأكيد التناقض في الحقائق التاريخية التي قيلت لنا، وهنا يكمن بيت القصيد. كيف أمكن لهذا الفن أن يستولي على بضع القلاع، وأن ينفذ إلى غزو البعض الآخر منها، منذ فيثاغورس ومبدأ الانسجام، ودامون الأثيني ومبنى الأخلاق، وأفلاطون وربوعه المعرفي الفلسفي؟ إنها طريقة لاستدعائنا للتفكيرحول تاريخ المسيحية في القرون الوسطى والأفلاطونية الجديدة، بما في ذلك القديس أوغسطين و"لا سينتيا بيني مودولاندي"، "لا موسيقى موندانا"، ثم منظري عصر النهضة الكارولنجية وتطور علم التربية، دون أن ننسى النظرية وتعدد الأصوات. و من هنا، تثير الفلسفة مفارقة حقيقية يزال النقاش حول مقارباتها مستجدة، و منها النظرية العلمانية التي تطرح سؤالا فرقا. لا سيما وأن تطور تلك الأشكال لم يستثنِ الفن و تعابيره المترتبة عليه. في وقت لاحق، كما كان الحال في عصر النهضة، فإننا نجد النزعة الإنسانية والصراعات الأولى ضد تعدد الأصوات Harmonie. لقد كان المد الإصلاحيّ، منذ أفلاطون وما بعده، يشكّل سجالاً لانشقاق فنيّ ومفاهيميّ لم ينته، تماماً كما نرى زارلينو واللغة الجديدة، وعقلانيتة المختلفة، والعلاقة بين الصوت و الكلمة المنطوقة. غاليلي ونظرية الأهواء، لنصل إلى الباروك وفلسفة التنوير، والعقلانية الديكارتية التي يمثلها لايبنتز، ومحاولة التوفيق بين الحس والعقل، والفهم العقلاني عند جان فيليب رامو والوجدانية عند جان جاك روسو، وكذلك ديدرو وبكاء الحيوان. وعلى سبيل المقارنة، لنا أمثلة عديدة إذا أردنا أن نطرح سؤالاً عن النموذج الذي ساهم في نشأة الرومانسية وشعرائها الرومانسيين، أوهيغل وسؤال الهوية بين الذات والموضوع، وشوبنهاور واللاوعي والفن الصوتي كصورة معينة للعالم، لنصل إلى التراجيديا في الواجهة المقلوبة بين فاغنر ونيتشه؟ ولاحقًا، في تحليل عصر الوضعية عرف هانسليك الجميلة، للوصول إلى القطيعة الجمالية وأزمة اللغة في القرن العشرين، وشونبرغ والدوديكافونية، وشعرية الطليعة واللاعقلانية، في المقاربة التي أرادها إنريكو فوبيني. ومهما كان من المغري شرح هذه التوجهات الفنية والفلسفية والجمالية الكبرى، فإنها في الواقع ليست أكثر من أفكار دافعة وراء رحلة أطول بكثير ومتاهة وغنية بقدر ما هي قابلة الى مزيد التحول و التغير و التنكر الى الماضي من منطلق نزوعها الى القادم الذي يخفي علينا أسراره و الذي لا يمكن أن نتوقع.

والآن، إذا ما قارنا هذه الحركات في العقل والعبقرية الغربية، علينا أن نعترف بأن الأمر نفسه لم يحدث في العالم العربي والإسلامي منذ القرن الخامس عشر وسقوط غرناطة عام 1492، رغم أنه كان يمثل ثورة ثقافية في زمنها الشرقي الاسلامي المجيد من القرن الثامن إلى القرن الخامس عشر. كل هذا يقودني إلى فكرة أن هذا الكتاب هو في الحقيقة كتاب متردد حول الأجناس، إلى درجة اللجوء، في الوقت نفسه، إلى ما كان يلاحقني دائماً: تعاقب التاريخ وتمزقه، والتقدم والنكوص، والتطور والانقلاب، والطفرات والتغيرات، الثقافية والفنية على حد سواء. لأن وراء اشكالية اللغة تكمن مسألة نطاقها العلمي، والاعتراف بها، وبمكانتها. ويبدو أنه لا مفرّ من أن الثقافة العربية، على الرغم من جوانبها التحليلية والتاريخية والإنسانية والنظمية والعضوية والفلسفية واللغوية، ليست بمنأى عن هذه الملاحظة التي أبدتها ريجين بيترا: "... لقد فُهمت الموسيقى تارة كعلم يهتم بالرياضيات والأرقام والتركيبات، وبالتالي بالمعقول، وتارة كفنّ، ثم كوسيلة للتعبير عن المحسوس... بعبارة أخرى، أحيانًا تُصوَّر الموسيقى كفن شكلي، أي كترتيب يخاطب العقل، سواء أكان ذلك يعيد إنتاج نظام رياضي هو نظام الكون - كما في الفلسفة القديمة وفيثاغورس على وجه الخصوص، أول فيلسوف تحدث عن الموسيقى - أو سواء أكان ذلك في تناغم مع الطبيعة، وهو تناغم رياضي - كما في حالة الموسيقي مثل رامو في القرن 18، أو ما إذا كان يخضع لقواعد صارمة للبناء الشكلي كما في حالة إدوارد هانسليك؛ وأحيانًا، على العكس من ذلك، يُنظر إليه كفن تعبيري يحيل إلى الشعور، قادر على إثارة العواطف العنيفة أو الحربية أو تهدئتها، أو على أن يؤدي إلى السكر أو إلى تليين الأخلاق: يمكن العثور على بعض أصداء هذا الموقف عند أفلاطون، ولكن قبل كل شيء عند روسو، خصم رامو المعلن، وكذلك عند نيتشه. " وبهذه الطريقة، تتفق مع إنريكو فوبيني في كتابه "الفلاسفة والموسيقى": "من بين جميع الفنون، الموسيقى هي أيضًا الفن الذي يحتوي على أكثر الجوانب تفرعا ويثير أكثر الأسئلة تنوعًا، حيث تقدم نفسها باختلاف الأشكال التي نراها اختلافًا جذريًا وفقًا لموقف المرء. في الواقع، على مر الزمن، لم يكن الفلاسفة من الوحيدين الذين استسلموا لجاذبية علم الموسيقى. فمنذ العصور القديمة الإغريقية، أظهرت جميع فئات المثقفين اهتمامًا بعالم الموسيقى. فقد ترك لنا السياسيون والفلاسفة وعلماء الرياضيات والفلكيون والأدباء والشعراء والمسرحيون والمتصوفون والمربون أفكارهم حول هذا الفن الصوتي، لأنهم وجدوا فيه مجمعًا من العناصر المتنوعة التي كانت نقطة وحدتها وتلاقيها مع ذلك في عالم الصوت".  من هنا، ومن بين اللحظات التي تخللت التاريخ، وعلى الرغم من اختلاف السياقات التاريخية والجغرافية الثقافية، فإن الموسيقى العربية وعلم الموسيقى فيها استمدت دائمًا من تاريخ التقاء الحضارات، بما في ذلك الأساطير الإغريقية التي كرست أورفيوس وقيثارته، وهي مصدر إلهام لأعمال مونتيفيردي وروسي وغلوك وداريوس ميلود وسترافينسكي، دون أن ننسى أمفيون أيضًا."

 

و خلاصة يقول محمد زين العابدين : " أود أن تجمع هذه المؤلفات بين معاني التعابير الفلسفية والفنية و الأدبية و الفكرية، في صلة بغير المفكر فيه، بمحض الصدفة أوالإرادة. وأن يكون تمجيدا لروح الكونفيلونتيا، باللاتينية، وهو التقاء قديم لهذا الشرق المتعدد التاريخي. كلُّ هذه المنافذ جُمعت معًا وصيغت معًا، من خلال وسيط العالمين الشرقيّ والغربيّ، منذ ذلك الحين في الفنون والعلوم ما قبل اليونانيَّة فاليونانية  فالعربيَّة  فالغربية و غيرها من المصادر و المراجع التي تواصل سيرها نحو كنه الإنسان و وجوده و تطوره الذي لن ينتهي .... إن هذا العمل يحتاج إلى روح واحدة للسير نحو الهدف الكبير المتمثل في التعرف على ما يربط ويوحد بين البشر، من حيث خصوصيتهم سواء أكانت لغوية أم دينية أم ثقافية. روح واحدة للسير نحو الهدف الكبير المتمثل في إدانة كل تمييز ثقافي وإغفال متعمد ومسيء لروح التاريخ البشري و الكوني، الفردي منه و الجماعي. "




Next Event

RSVP Closed
0 DAYS TO THE EVENT
May 27, 2025, 3:00 PM GMT
Palais Ksar Said - Le Bardo
bottom of page